عمر كلاب 

لو انفق الاردنيون اقل من ثلث جهدهم المصروف على تحليل الأوضاع العالمية والمحلية, على العمل المنتج باتجاه تحسين الحياة السياسية والعمل الجاد كل في موقعه لما كان الحال على ما هو عليه, واقصد كل الاردنيين, سواء من في مواقع المسؤولية في اعلى المراتب او ادناها, والمواطن البسيط قليل الحيلة الذي ترك نفسه اسيرة لمواقع التطاحن الاجتماعي, حتى بات كل اردني يتلصص على نفسه وليس على غيره, فنحن مجتمع يتقن الثرثرة ولا يبحث عن الحقيقة او الخبر, ومن يراجع استطلاعات الرأي سيجد ذلك واضحا وجليا, فنحن لا نثق بالآخر الا باضيق الحدود, العائلة الممتدة او الفخذ العشائري.

هذا ما اردت ان استهل به قراءتي لأسبوعين او لعشرة أيام هزت الاردن, وانتهت كما العادة على التهدئة وعودة الامور الى مسارها الاعتيادي وليس الطبيعي, فما زال الجمر مشتعلا ومن ييرى غير ذلك عليه مراجعة طبيب عيون سياسي او طبي, وللاسف هذا جرس الانذار الرابع او الخامس الذي تطلقه المجسات الاجتماعية ولا نلتفت اليه بجدية, وكل مرة تبحث اجهزة السلطة عن تهريب الشحنات السلبية الزائدة في المجتمع الى الثرى الاردني مغموسا بدماء شهداء ابرار, على قاعدة الكهرباء السياسية, فسلك ” الايرث ” هو السلك الوحيد الفاعل في الفيزياء الاردنية, لكن احدا لم يلتفت او لا يريد الالتفات الى التلامس الحاصل بين اسلاك الكهرباء الوطنية والتي تنتج كل يوم صاعقة كهربائية, يستطيع السلك الثالث تهريبها الى التراب والخشية كل الخشية ان يصبح التراب موصلا للكهرباء لا سمح الله.

ما حدث في الايام العشرة الماضية, فيه كما الحروب شيء مما قبلها, لكن فيه من الحداثة الكثير, وللأسف فإن عقل السلطة قرأ القديم منها بنفس النظارة السابقة, ولم يقرأ الجديد, فالحراكات الشعبية وحسب العادة الاردنية تمتد الى اغلاق الشوارع وتكسير الممتلكات العامة والخاصة وهذا سلوك مدان, لكنه تعبير من الناحية الاخرى على سماكة جلد السلطة وعدم قدرة هذا الجلد على الاحساس السريع بالاوجاع وافتقار الاحساس ان وجد الى جدية المعالجة او المواساة الصادقة, فكيف يتحمل المواطن ازمة اقتصادية لوحده دون ان يلمس اي اجراءات توفيرية ولا اقول تقشفية من كل اركان السلطة واجهزة الدولة؟ وكيف يلجأ المواطن الى الحوار واساليبه السياسية والثقافية, وكل اجهزة السلطة تعيش حالة انكار للازمات ويجري التعبير عن الازمات بسطحية وركاكة؟

باستثناء لجنة تحديث المنظومة السياسية, فإن كل اللجان السابقة الصغرى والكبرى لم تجد مخرجاتها طريقها الى التنفيذ, فكان الامل بمخرجات لجنة التحديث رغم الملاحظات على جزء من مخرجاتها, لكن ما جرى عند تطبيق المخرجات اعاد الى الاذهان كل الذكريات الخشنة والسلبية, فالحزبية تمت هندستها عبر احزاب الانابيب, ورموز الرجعية هم رموز الحزبية وكأننا نقول للناس, خياركم في الجاهلية واليمينة والرجعية خياركم في الديمقراطية, فالسلطة اعادت تدوير رجالاتها من جديد, فبات اليميني يلبس رداء الديمقراطية فوق ثوب الرجعية, ولم تنجح كل العطور السلطوية في اخفاء الرائحة السابقة, اسوق لجنة التحديث مثالا وحيدا لانها المقاربة الوحيدة التي كان يمكن ان تقودنا الى ملامسة النجاح, فهي كانت مؤشرا على بداية تغيير النهج وليس الشخوص, من خلال الاحزاب والقوائم الحزبية والبرلمانات القائمة على العتبة.

لا يوجد اليوم ترف الترقب والتربص, فنحن بحاجة الى ثورة بيضاء حقيقية, تقودها الدولة على نفسها, لتغيير ادوات السلطة التي استمرأت الحلول الانية والامنية على حساب الحلول السياسية, والخشية ان يصبح رجال الامن في مواجهة المجتمع, والاصل ان السياسي هو الذي يواجه المجتمع وليس الامني, فالامني مهمته حماية الحدود الوطنية والبنى الوطنية من عبث العابثين, الذين رأينا كيف اطلوا برؤوسهم في اول فرصة منحناها لهم, حين اشغلنا الامني بمواجهة المجتمع بسبب غياب السياسي.

ما حدث في الايام العشرة الاخيرة, اظهر ان السلطة بلا ادوات شعبية وبلا مجسات مجتمعية, بسبب التجريف والتصحير والمحاصصة السياسية, لذلك لم يجد الامني بديلا من ملئ الفراغ, وكانت النتيجة شهداء نترحم عليهم ونعزي ذويهم, الاصلاح يبدأ من اعلى وبقرار حاسم, وبسرعة ووقار, اصلاح شامل وحقيقي يعيد الاعتبار الى مشاركة الشعب في القرار وانتخاب ممثليه دون هندسة وحكومة قادرة على اختيار اعضائها دون محاصصة او معرفة مسبقة, حكومة نستطيع ان نحاسبها عبر صناديق الاقتراع فقط وليس عبر اغلاق الشوارع وتكسير الممتلكات العامة والخاصة.

omarkallab@yahoo.com