مرايا – عمر كلاب 
لا تكتسب حركة المقاومة الاسلامية حماس، شرعيتها من انتمائها او امتثالها لجماعة الاخوان المسلمين، فهي قدمت دماءاً زكية من الشهداء، وحققت فعلا مقاوما جعلها تتصدر المشهد الفلسطيني، قبل العالمي، وحسب زميل عائد من قطر، بعد لقاء مع قيادات الحركة في الخارج، فإن الحركة تقدم نفسها كفصيل فلسطيني مقاوم، لها مرجعية اخوانية فكرية إسوة بحركات تحرر فلسطينية حملت المرجعية الماركسية اللينينية، اي انها لم تقم بفعل غير مألوف، من حيث امتثالها لفكر عابر للحدود والجغرافيا.

بل ان الزميل استرسل في تقديمه لما قالته قيادة حماس في الخارج، من نفيها الانتماء لجماعة الاخوان المسلمين ومكتب ارشادها العالمي بالقول ان قيادي في الحركة – خالد مشعل – قد أكد في حضور الزميل ان جماعة الاخوان المسلمين في الاردن وذراعها السياسي، حزب جبهة العمل الاسلامي، يستثمرون في الحركة حد ركوب موجتها، ويُعيد القيادي هنا والنص ليس منقولا عنه، الذاكرة الى ما قبل عقود اربع، حين احتوى بيان مرشحي جماعة الاخوان المسلمين الانتخابي في العام 1989، بندا يقول: ان حركة المقاومة الاسلامية حماس هي الذراع العسكري لجماعة الاخوان المسلمين.

وهنا يجدر السؤال، ان كانت الحركة قد انفصلت تنظيمياً عن الجماعة في الاردن كليا، ام انها حافظت على استقلاليتها كجماعة الاخوان في فلسطين، حسب نفس المصدر – خالد مشعل- الذي قال في 2010 ان الحركة انفصلت عن جماعة الاردن، وحصلت على استقلالها الكامل عن الجماعة، ولعل تداعيات ما بعد ذلك العام تشي بذلك، حيث ارتفعت وتيرة الانفصال حينها، بين ما يعرف بالمكاتب الخارجية وجسم الحركة الاخوانية في الاردن، وبرزت حينها اصواتا تدعو الى أردنة الجماعة، وهو ما افرز انشقاقات لاحقة، وتنابزا حد التنمر والتنابز بتهم مثل الاقليمية وما شاكلها.

حماس الحركة، بات لها ذراع عسكري، هو كتائب الشهيد عز الدين القسام، اي انها جسم سياسي وعسكري، وهذا يؤكد نسبيا قصة الانفصال الكامل، واذا عدنا الى جذر الحركة الاخوانية، فإن تراثها المقاوم عسكريا، ليس له تاريخ او أثر يحكى فآخر فصيل عسكري لها، كان ضمن منظمة التحرير الفلسطينية، وتم سحبه والغاء وجوده قبل احداث ايلول في العام 1970، وبعدها انضوت في علاقة حميمة مع السلطة، وقدمت احد ابرز الابناء الى حكومة الشهيد وصفي التل، الدكتور المرحوم اسحق الفرحان، وهذا السلوك ليس اردنيا فقط بل في بلاد الشام كلها وفي مصر، حيث فشلت الجماعة في تكوين فصيل مسلح، وانحازت الى فكرة التمكين، ولم تقع في شرك الانقلابات العسكرية، التي كانت صفة ملازمة للحركات القومية والبعثية ونسبيا الماركسية – اللينينة.

اذن حماس وكتائب القسام اقرب الى السلوك الفلسطيني، منه الى غيره، لكن لا يُعيب جماعة الاخوان التغني بشعر بنت الاخت، فما قدمته الحركة وكتائب عز الدين القسام، يُغري ويغوي بالانتساب، بل ان فعلها المقاوم في السابع من اكتوبر، جعل من البعيد قريب، ونجحت الحركة مع باقي فصائل المقاومة في غزة برفع كلفة الاحتلال الى مستويات قياسية، واعادت تراتبية الاهتمامات العالمية مجددا الى صيغتها المُثلى، فالقضية الفلسطينية عادت الى تراتبية السلم، والشعوب العربية استردت الحرارة في شرايينها، وكذلك الشوارع العالمية، وهذا جعل من خطوة مقدرة ومحترمة من دولة مثل جنوب افريقيا تقود معركة قضائية دفاعا عن الحق الفلسطيني، ولولا الفعل المقاوم الذي انتجته الكتائب القسامية ورفقائها من المقاومة، لما حدثت هذه الخطوة اساسا، وجنوب افريقيا تمتلك رصيدا كافيا من الخبرة في مقاومة الفصل العنصري وحروب الابادة.

كتائب القسام وخلفها الحركة الحمساوية، تدرك اذن، ان المرحلة هي مرحلة تحرر وطني، بدليل تشاركيتها مع كتائب الشهيد ابو على مصطفى ذات الفكر اليساري، وكتائب شهداء الاقصى ذات الفكر الفلسطيني القومي الفتحاوي، وسرايا القدس ومرجعيتها حركة الجهاد الاسلامي، وهذا فقه ثوري خالص، ليس مؤرخا او موجودا في فقه جماعة الاخوان المسلمين، التي تميل الى المغالبة لا المشاركة، في كل الساحات والاقطار التي تعيش فيها وتتحرك، بل انها قادرة شعبيا على اسقاط الفكرة او الانظمة، لكنها لا تملك فقه بناء سلطة او دولة، كما اخبرنا الربيع العربي بذلك.

المطلوب اذن، ان لا نسحب من حركة حماس وكتائبها الجنسية الفلسطينية، والا تدفع ثمن مرجعيتها الاخوانية الفكرية، ولا نحملها وزر اخطاء وخطايا الجماعة سواء الاردنية او مكتب الارشاد العالمي، كما حاول مفكر عربي ومثله كثيرون الغمز بذلك، خلال ندوة فكرية عالية الجودة، انجزها مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الاردنية، قبل اسبوع تقريبا، فحتى مفصل الحسم العسكري في غزة حزيران “يونيو” 2007، الذي يعتبره البعض نقطة سوداء في تاريخ الحركة، قد تجاوزته الحالة الفلسطينية الآن، ولا اظن سلوك وقوام السلطة الفلسطينية كان من الممكن ان يفضي الى مثل هذا الحدث العظيم في اكتوبر 2023، ولا الى اعادة تراتبية القضية الفلسطينية على سلم الاولويات العالمية والعربية.

والمطلوب ايضا من حماس الحركة والكتائب، ان تقترب أكثر وأكثر من فلسطينيتها والنأي أكثر عن اخوانيتها، بمعنى العودة الى منظمة التحرير الفلسطينية، وتحويل بناء المنظمة من وكيل او مقاول فرعي الى ممثل شرعي حقيقي لأمال وتطلعات الشعب الفلسطيني في فلسطين كلها والشتات، بعد ان حولتها سلطة اوسلو الى غرفتين بمنافعهما في عمارة في رام الله، وتكون السلطة الوطنية ذراع تنفيذي للمنظمة وليست القائم بأعمال المنظمة او قائدتها، فهي تابعة للمنظمة وليست قائدتها.