كتب :عمر كلاب

هل نهرب الى الامام ونقرأ ما يجري في غزة بعين اللحظة؟ بوصفها حرب بين فصائل المقاومة بقيادة حركة حماس والكيان الصهيوني ام بوصفها عملية مقاومة افضت الى مواجهة حولتها القوى الاقليمية والعالمية الى حرب استباقية لمنع حرب تحرير مأمولة وموعودة؟ ربما يقول قائل، هذا سؤال مبكّر، او سؤال استباقي لمرحلة لم تبح باسرارها التي تمكن الباحث من فهم اللحظة في سيرورة الصراع العام بين المقاومة والاحتلال، ولربما يشط العقل اكثر، ويقول انها نسخة ثانية مبتكرة من الربيع العربي الذي انتهى بخسارة حركات الشعوب، لعدم وجود حركات ثورية منظمة تقطف ثمار الحراك الشعبي، الذي سقط في حضن تيارات الاسلام السياسي او في حضن النُظم الرجعية القائمة.

وسبب شطط العقل، حاضر وضروري, فحركة التحرير الفلسطيني لا يمكن النظر اليها بمعزل عن حركة التحرر الوطني للشعوب العربية, فالحركة الوطنية الفلسطينية جزء من هذه الحركة لا تنفصل عنها والالية الداخلية التي تحكم الحركة الوطنية العربية عامة هي نفسها التي تحكم الحركة الوطنية الفلسطينية: انها الية التحرر من الامبريالية والصهيوينة والرجعية العربية وفشل الربيع العربي وردة النظم العربية عن المساحات التي منحتها للشعوب نسبيا، اعادت الخليقة الى ما قبل الربيع وبنمط اكثر سواداً، فخرجت دول من القائمة وفشلت دول وما زالت اخرى تعاني وكان الخاسر الاكبر تيارات الاسلام السياسي التي فقدت كل مواقعها التي تحصلتها ولم تحصنها باستثناء حُكم غزة.

اذن السؤال ليس سطحيا او متعجلا، فطبيعة الحرب تكشف عن غاياتها، وسلوك العالم الغربي الراسمالي، يكشف اكثر عن التقاط اللحظة، لحسم القادم ورسمه، على هيئة اعادة رسم وترسيم لخرائط ونظم سياسية جديدة او مستحدثة او متحولة، بعد مرحلة السيولة التي شهدها الاقليم المتوسطي بفعل الربيع العربي والخطاب الانساني يخفي في بواطنه كل اشكال الوحشية فالنقد الذي نسمعه ونراه ضد الكيان الصهيوني، هو نقد من نفس الموقع والموقف، اي نقد من نفس زاوية النظر وليس من نقيضه، وهو بالضرورة باطل، حتى من اصحاب صفاء النية في النقد، لان صفاء النية لا يزيد النقد الا غموضا، اي يبطله، ولعل اوضح مثال على ذلك هو ما جاء في مؤتمر المنامة على لسان ولي العهد البحريني، وقبله على لسان ولي العهد السعودي في قمة الرياض التي خلطت العوربة بالاسلمة، لهدر دم الفلسطيني على القبائل، من خلال المساواة في الدم.

بمعنى لا يوجد نقد للحرب، بل النقد لامكنة وقوع القذائف، ولا احد يتحدث عن زمان الحرب، اللاحقة لاكتشافات الغاز في سواحل المتوسط قبالة غزة، ولدرب التوابل المزمع تنفيذها بموازاة درب الحرير او بديله، ولمشروع قناة بن غوريون المكاتفة لقناة السويس، فلكل درب قناته، ولكل حرب غاياتها الدفينة، واستباق اللحظة حتى لو كان فيه شرك الوقوع في بعض الاستعجال او بعض الخطأ، خير من انتظار النتائج، التي ستأتي على شكل اوامر تغييرية نافذة، وواجبة الدفع للمقاول الرئيسي، والتنفيذ بدأ على شكل مدن جديدة وخرائط سكك وطرق، وموانئ ومطارات، وثمة جيب كان عائقا، يجري اليوم هدمه من اجل اعادة بنائه وتشطيبه على هيئة تليق بدوره القادم، واعني شمال غزة، وربما وسطها, فالدروب الجديدة تحتاج الى جمالية دروبها وارصفتها.

ما اود الوصول اليه ان زمان ومكان الحرب، مدروسان بعناية، والظرفية العربية قابلة للحرب ونتائجها، لأن مجمل المشاريع الجديدة تبدأ وتمول من مناطقنا، وحتى الداعم للمقاومة متورط ومنغمس في المشاريع الكبرى الى اذنيه، ناهيك عن اعلانه الصريح، بأن دعمه كان أمرا واجب التنفيذ، وليس مبادرة او رغبة، وهنا اعود الى بداية الفكرة، ان حركة التحرير الفلسطينية هي جزء من حركة التحرر العربية، ولا يجوز ان تنجح هذه الحركة، لانها ناقلة للعدوى التحريرية، فجرى التأمر عليها اما بنظرية الدعم المأمور او الحصار المدعوم، فلا مجال للصدفة في عالمنا، ولا مكان لبذرة الامل، فحركة التحرر الفلسطينية، جرى قسمتها بين ملتحٍ مقاوم، وحليق مساوم، وكلاهما ينهلان او ينشدان الدعم من نفس المنبع الفكري والمالي، فوقعت حركة التحرر في مستنقع المشاريع العابرة للجغرافيا والتاريخ، لانها لم تحمل فكرا نقيضا للقائم، او ان حدود منطقها، لم يجعلها تدرك ان عليها التفكير بمنطق النقيض، فصارت اسيرة تناقض المشاريع الطامعة بدور في الحراسة ان لم تحصل على نسبة من الشراكة، في المشاريع القائمة والقادمة. سياقات الحرب تشي بأننا امام فترة ليست بالقصيرة، واليوم الاول بعد وقف هدير المدافع سيكشف اكثر، فما بعد غزة ليس كما قبلها، ستتحرك حدود وستتشكل انظمة وربما دول على هيئة جديدة، وربما تكون حماس حاضرة في المشهد ولكن بنسختها التي استضافتها قناة العربية وليست النسخة الظاهرة على قناة الجزيرة، رغم خليجية القناتين، والخارج من التاريخ والجغرافيا ستكون سلطة رام الله بكل عواجيزها واركانها، فما بقي من قذائف لم تُطلق على غزة ستنفجر في المقاطعة في رام الله على شكل غازات مسيلة للدموع واختناقات سياسية، تخرج كل من في المقاطعة من الخدمة لصالح طبقة جديدة ربما ستخرج من سجون الاحتلال