مرايا – عمر كلاب – مدهش حد الفجيعة منسوب العقم السياسي الذي وصلت اليه الحالة الاردنية, فإذا كانت السلطة كما يتهمها كثيرون مصابة بداء العقم, -ولعلها كذلك-, من حيث توليد الحلول واجتراح المقاربات للازمات, فإن حافتي السلطة, مصابتان بما هو اخطر, او لعلي استعير من ثقافة الانجاب بعض سمات, واقول ان ثمة لولب مُرّكب اليوم على عقول حواف السلطة, واعني المؤيدة والمعارضة, وما جرى من نقاشات وملاسنات وتجاذبات, خلال نقاش قانون الجرائم الالكترونية, الذي ينتظر الدخان الابيض من القصر سلبا او ايجابا, كشف ذلك بوضوح.
فالجميع كان مختلط بدون تلاقح مع افكار الحلف نفسه وليس مع الاخر, فالمؤيدون على كثرتهم للقانون, صمت كثير منهم خشية اصحاب الاصوات العالية, لكنهم لم يجلسوا سويا لمناقشة تهذيب القانون, فكانت النتيجة صادمة من الاعيان للنواب, ومن النواب لانفسهم, فمن صوت بالامس على القانون عاد وصوّت على ما طرحه زملاء قاومهم بشدة, ومن نجحت اقتراحاته نسبيا في الاعيان تخلا عن باقي مقترحاته, وكذلك الحال في الاعيان فلا غالب ولا مغلوب, رغم ملاحظات اعيان على حواف التيار المدني واليسار, فرحوا لمجرد ملمح الحمل الذي تبين انه كاذب.
لا يوجد مؤيد جذري للقانون, سوى فريق من السلطة, الذي يمسك بزمام الامر, والقانون هو محصلة صراع القوى بين طبقات المجتمع, والقوة الاكبر هي للسلطة, ممثلة بتيار اليمين المحافظ, الذي انتصر لاسباب ذاتية, فهو اكثر تماسكا من التيارات الوسطية داخل السلطة وبالضرورة اكثر تماسكا من تيار المدنية واليسار, الذي تفاجأ بانه منسجم تحت قبة الاعيان, فما جرى ليسي مخططا بل كان وليد اللحظة والارث الفكري المشترك.
وانتصر ايضا لاسباب موضوعية, فثمة حالة عامة ترى في الانفلات الحاصل في الفضاء الالكتروني لعنة تدخل الى البيوت وتنتهك الحرمات دون ادنى مقاومة, وهذه اغلبية بالعادة صامتة, ولكنها ليست على علاقة ودودة بالجديد وثقافته, فهي مستسلمة لما تعرفه في كل الامور, وهذا يذكرني بتجربة الصحافة الاسبوعية التي تم شيطنتها لانها اخترقت السقف السياسي, فأوقعوها في شرك الاجتماعي, ثم جرى ذبحها قبل ان تذبحها التكنولوجيا الجديدة, فتحولت الى الصحافة الالكترونية بما ورثته من امراض مهنية وصورة مجتمعية سلبية, ونذكر جميعا ان السلطة لم تُحرك قضية واحدة على خلفية اجتماعية, بل كانت كل القضايا والتوقيفات سياسية بامتياز, واستثمرت الضيق المجتمعي من الصحافة الاسبوعية التي واجهت نفس التهم الحالية, انتهاك المحرمات والعبث بالسلم المجتمعي ومخالفة ثوابت المجتمع وثقافته.
لم يقدم المؤيدون وجبة, وكذلك المعارضون, -باستثناء مجموعة ضيقة من 14 مؤسسة مدنية- وكذلك لم يتوحدوا او يمارسوا شكلا من اشكال التنسيق, فصار المعارضون في سلة واحدة, واختلط الامر بين تجار المعارضة ومستثمري الاوجاع ومشعلي الحرائق السياسية, وبين المنهجيون منهم الذين كانت لهم رؤية وفكرة لضبط الانفلات مع الحفاظ على مساحة من الحرية والتعبير.
ما جرى يؤكد ان ثمة لولب تم تركيبه على الادمغة والعقول لمنع بنات الافكار من الحمل الفكري, وانتاج حلول , فنحولت بنات الافكار الى عاقرات وربما الى ما هو اسوأ, فالاخطر ان تتحول بنات الافكار الى بنات ليل, ما دامت الحلول ممنوعة ومنغلقة, بعد ان تم تركيب لولب على العقول, فما عادت تلك العقول قادرة على توليد الافكار, ولم تعد قادرة على التلاقح الفكري والبحث عن مقاربات وتوافقات, مع العلم ان من اهم مخرجات هذه القانون, عودة الرشاد الى الحوار الجمعي, وعودة الحياة الى الحوارات السياسية ونبذ الشتم والتجريح, فالسلطة مهما كانت عميقة الا انها في النهاية تحمل بذور فنائها, واظن ان هذا القانون هو بداية لذلك, فأي سلطة لا تقبل بالضرورة النقد السياسي المنهجي, وتخشى من تسييس حتى انصارها, فهي تريدهم فرادى, وليسوا جماعات, وعلى الجميع ان يبحث عن فرصة الاستفادة من هذا القانون, الذي قضى على تجار المعارضة ومحترفي اشعال الحرائق السياسية والاجتماعية.