مرايا – كتب : عمر كلاب

لا أعتقد أن ما تبقى من الضمير العربي, سيتلقى صفعة انسانية اعنف واعمق من جملة الشاب السوري الذي قضت كل عائلته في الزلزال الاخير, في رده على سؤال صحفي عن احواله وعائلته, فأجاب: «كلهم بخير الا انا» فالموت بات كل الخير لشاب في مقتبل عمره, ضاقت به كل الازقة والطرقات الوطنية والقومية, وضاقت قبل ذلك سبل الحياة, حتى بات الموت هو الخير, ولو وجهت السؤال الى شباب عرب في اقطار كثيرة تشهد احداثا دامية او اوضاعا سياسية واقتصادية صادمة, سيكون الجواب نفسه, ولا اظن دولة واحدة تستطيع ان تكشف حجم وعدد حالات الانتحار في الاقط?ر العربية, الذين ينتحرون ليس ضجرا او هياما, كما يفعل كثير من اقرانهم في الدول التي يعيش فيها الانسان بكرامة.

نعم ايها الشاب كلهم بخير الا نحن, من المحيط الى الخليج, بعد ان انتصرت الهمجية بكل اشكالها في كل اقطارنا, فالهمجية الصهيونية تنتصر كل يوم, والهمجية الداعشية حققت في اقطارنا شبه دولة, والهمجية الطائفية لديها اقطاعاياتها, والهمجية الافتراضية تحقق كل يوم مزيد من الانتصارات والحضور الطاغي, ودون مبالغة فإن التتار كانوا اكثر حضارية منا, فهم على الاقل غزاة, لكن ان تصل بنا الحال الى ان يسلمنا الغزاة الى اهالينا, فهذه كل الكارثة, فحجم الانفاق على الخراب والهمجية في اقطارنا العربية يفوق الخيال, سواء الانفاق العسكري ا? الانفاق الترفي او الانفاق السلطوي.

من سيصدق بعد عقود كتب التاريخ, التي قالت عن بلاد الرافدين ونخيلها, وعن بلاد الشام وبساتينها, والادهى من سيصدق ان اليمن كان سعيدا في زمن ما, وان هبة النيل لا تجد الماء لتشرب, وان السودان يعاني من مجاعة وهو سلة غذاء الوطن العربي, وان ليبيا كانت قلعة تتكسر عليها كل اصنام الغزاة, وان تونس خضراء وان المغرب بين محيط وبحر يزهو بمراكبه واشرعته, من سيصدق ان مقالة تؤجج حرب داحس والغبراء, وان انفجارا في مرفأ لا يخرج له صوت, وان حربا طاحنة استهدفت ارضنا وتاريخنا ومصدر فخرنا, تم تمويلها باموال العربية.

نعم يا اخي لسنا بخير, بعد ان جاس التجار والفجار والحفاة والعراة والطغاة في ارضنا, وامعنوا فيها قتلا وتشريدا, وفسادا وافسادا, ومحاباة للاجنبي وللنسيب وللقريب ولكل راغب بانتصار رخيص, لسنا بخير, فلا تشعر بالوحدة, فكلنا كذلك, تدوسنا قاطرة محملة بكل خيراتنا لتعبرنا الى غيرنا, لسنا بخير ونحن نرى ما نرى من هوان وضعف وتطبيع وقسوة على بعض ونعومة مع الاجنبي, لسنا بخير باستثناء الموتى والشهداء, دون تحديد اسباب الوفاة.

نعم يا صديقي كلهم بخير الا نحن, بعد ان صار ابرز اسهامنا في الحضارة البشرية الاعلى في تصدير اللاجئين والمعذبين والمشردين, لسنا بخير ونحن ننتظر ان نعرف اخبارنا وازماتنا ومشاكلنا من مراكز البحث الاجنبي, نعم يا صديقي كلهم بخير الا نحن.

omarkallab@yahoo.com