بهدوء- عمر كلاب

ما يقوله الملك هو ما ينادي به المواطن الأردني في المظاهرة وفي المناسبات العامة, وما كان يقال همسا بات يقال جهرا ولم تُعد هناك تابوهات وكثير من القضايا سقطت عنها موانع التحريم, واذا ما نقلنا لقاءات الملك الى برامج سياسية فستكون النهاية واحدة وتشكل نقطة التقاء المعارضة والحكم, فجوهر الشعار الاصلاحي مقبول بل ومطلوب من الملك نفسه فلماذا المفارقات السياسية الحاصلة ولماذا جرّ البلاد بعيدا عن نقطة البداية او خطّ الانطلاق.

الاصلاح مطلب ملكي وكذلك مطلب شعبي, وقد اوضح الملك في خطابه قبل سنوات, خلال لقائه فعاليات شعبية وسياسية قبيل عيد الاضحى المبارك تعريفه للنظام, فالنظام ليس الملك كما قال الملك خلال تفكيكه لعبثية بعض الشعارات، وفكّ الالتباس الذي وقعت فيه دول شقيقة وشوارعها, بعد ان اسقطت جموع المتظاهرين الدولة في بعض الاقطار, لان النظام هو الدولة, من الية انتخاب البرلمان الى اخر برغي في الية لبلدية او مؤسسة رسمية, والنظام يشمل القطاع الخاص والعام.

النظام السياسي يحتاج الى اصلاح والقوانين الاقتصادية بحاجة الى اصلاح والمنظومة الثقافية والاجتماعية شابها الخلل, فالتردي في مجال لا يمكن ان ينعكس او ان يتمظهر بشكل ايجابي في مجال اخر، لان التشابك حاصل بين الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والاخلاقي، وهذا ما ينادي به الملك منذ امد طويل، ولكنه يواجه بمقاومة شرسة من المستفيدين من تأبيد الوضع القائم، وجميعنا يذكر كيف تم اجهاض مشاريع وطنية كبرى قبل ان نصل الى ثلاثية التحديث الشمولية التي اخشى عليها, من المواجهة الشرسة, من تيارات بات واضحا حجم استماتها في تأبيد الوضع?القائم.

ازمة المشروع الملكي انه لم يجد رافعة سياسية واعلامية توصله الى المواطن الاردني، بل ثمة اجواء عقابية ورياح مقاومة حتى لمن يحاول حمل الرسالة متطوعا او مجتهدا، وعمليا فرّطّت الدولة بالمؤمن لصالح الصوت العالي او المؤلفة قلوبهم، فتشكّلت الازمة السياسية مع تيار الاعتدال في المعارضة الاسلامية والقومية واليسارية وأنبتت تلك المسلكيات ظواهر مُبكية على كل الصُعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية واستسهلت العبث بكل الثوابت والمرتكزات.

وتم تجهيل وتهميش الاعلام الرسمي من خلال عزله عن صناعة الخبر ولعب دور المتلقي للخبر، فمعظم المؤسسات الرسمية تقوم بإرسال شريط الخبر او الخبر نفسه الى الاعلام الرسمي الذي انتقل من خانة الصناعة الى خانة التوصيل «الديليفري»، وظلّت هوامش حركته محدودة جدا ومقتصرة على المؤسسات الخدمية الفقيرة نسبيا لان بعض المؤسسات صنع اعلامه الخاص.

بدورها لم تقم المعارضة بالتقاط النهج الجديد في الحكم ودعمه وتسيير قوتها نحو تأصيله وتثقيف الشارع حياله، فما يقوله الملك في كثير من الاحيان كان موجودا في النشرات السرية لتلك الاحزاب، لكن رهابها وازمتها الذهنية ابقياها في خانة محدودة المساحة بل واضافت احزاب المعارضة الى نفسها قيدا جديدا عندما ابقت على تهمة التعاون مع الدولة في قاموسها السياسي رغم انتقالها من حالة السرية الى حالة الاحزاب المرخصة اي العلنية وقبولها الدعم المالي من الدولة.

فالترخيص والدعم لم يصلا الى خانة التفكير بضرورة التعامل مع الحزب بوصفه جزءا من الدولة بل وواجبه الوصول الى السلطة، فبقيت معرفته عن السلطة في حدود البيانات والشعارات ولم يتعرف على الية السلطة ودروبها ووقع في فخ محكم نصبته قوى التحالف المضاد للعصرنة والحداثة التي تريده في مكانه السابق دون مرونة في الحركة لتبقى هي سيدة المكان والزمان وتتناقل المناصب والمواقع حسب امانيها.

هناك لغة جديدة ونهج جديد في الحكم عبّر عنه الملك اكثر من مرة وعكسه في مشروع نهضوي شامل وثلاثي الابعاد, لكنه محاط بحالة ضخمة من الفكر المحافظ والمحافظين على المسربين الرسمي والمعارض، وسط غياب للتحليل السياسي والفكري العميق لخطاب الملك ونهجه في الحكم، واستمرار الحالة يعني ضياع الفرصة تلو الفرصة، وان الاوان لحوار عميق بين الجميع للخروج من حالة مكانك سر.

omarkallab@yahoo.com