مرايا –

تقرير خاص – (الإيكونوميست) 16/4/2023

يبدو أن احتمال التوصل إلى تسوية نهائية للانتقال السوداني قد عجل بالمواجهة بين البرهان ودقلو. سوف يخسر كلا الرجلين من الاتفاقية التي ستقلل من سلطة القوات المسلحة في السياسة والاقتصاد.

وبسبب عدم رغبته في تسليم قيادة قوته، أصر دقلو على منحه فترة عقد من الزمن لدمج قوات الدعم السريع في الجيش الوطني (بينما كان ما يزال يدعي أنه يدعم الاتفاقية).

ويقال إن الجنرال برهان كان يريد أن يحدث هذا في غضون عامين من أجل خلع أنياب منافسه وضمان تفوق القوات المسلحة السودانية.

والأهم من ذلك أنه لم يكن هو ولا الحرس الإسلامي القديم من حوله على استعداد لقبول أي صفقة تقلل بشكل كبير من المصالح التجارية للجيش السوداني.

وطلب السيد دقلو الإضافي، في الجولة الأخيرة من المفاوضات، بإبعاد أكثر من 800 من كبار الضباط من القوات المسلحة السودانية كجزء من عملية الاندماج كان “ببساطة مفرطًا أكثر من اللازم” بالنسبة للجنرال برهان، كما يشير جوناس هورنر، الخبير في شؤون المنطقة.

* *
لم يكن من الصعب قراءة العلامات التحذيرية في المشهد السوداني. منذ أشهر، كانت التوترات تتصاعد بين أقوى شخصيتين في الحكومة العسكرية السودانية: الجنرال عبد الفتاح البرهان، الزعيم الفعلي للسودان منذ انقلاب العام 2019؛ ومحمد حمدان دقلو (المعروف أكثر باسم حميدتي) أمير الحرب.

وحميدتي هو قائد “قوات الدعم السريع”، الوحدة شبه العسكرية التي انبثقت عن ميليشيات الجنجويد المتهمة بارتكاب أعمال إبادة جماعية، مثل القتل والاغتصاب، في دارفور.

وكان كثيرون قد حذروا من صدام وشيك بين قوات الدعم السريع وقوات حكومة الجنرال برهان، المعروفة باسم “القوات المسلحة السودانية”.

تصاعدت الأزمة بشكل حاد في صباح يوم 13 نيسان (أبريل)، عندما استيقظ سكان مروي، شمال السودان، ليجدوا جنودًا من قوات التدخل السريع يتجولون في البلدة ويتخذون مواقع حول المطار، وهو قاعدة للطائرات المقاتلة.

ورداً على ذلك، حاصر جنود القوات المسلحة السودانية عناصر قوات الدعم السريع وأمروهم بالانسحاب، حسب ما قيل. وسرعان ما حذرت الحكومة من مواجهة وشيكة بين القوتين، كما فعل أيضًا ممثلو الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والعديد من الحكومات الغربية الأخرى.

وعلى مدار الساعات الأربع والعشرين التالية، انخرط الدبلوماسيون في جولات محمومة بين المعسكرين في محاولة لتجنب الصراع. وفي الخرطوم، عاصمة السودان، استعد السكان لمواجهة الأسوأ.

ولم يطل الانتظار، فقد جاء هذا في وقت مبكر من صباح يوم 15 نيسان (أبريل) عندما اندلع القتال بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع. واتهم كل جانب الآخر بإطلاق النار أولاً.

وبحسب الجيش الوطني في السودان، فقد أطلقت قوات دقلو تمردًا على الدولة. وردت قوات الدعم السريع بأن الجيش شن في الحقيقة “هجومًا كاسحاً” على عناصرها.

ووصف دقلو رئيسه في الحكومة بأنه “مجرم”، والذي إما أن يتم القبض عليه أو أنه “سيموت مثل كلب”. وزعم كل من الجانبين أنه كسب اليد العليا بسرعة في المواجهة.

في غضون ساعات من إطلاق الطلقات الأولى، كانت الدبابات تتجول في شوارع وسط الخرطوم بينما زعقت الطائرات المقاتلة فوق الرؤوس. وأثناء قيام القوات الجوية بقصف قواعد قوات الدعم السريع، هاجمت قوات الدعم المطار الدولي.

وأظهرت مقاطع الفيديو المتداولة على الإنترنت سُحبًا كثيفة من الدخان تتصاعد من مَدرج المطار. وسرعان ما امتدت الاشتباكات إلى محيط هيئة الإذاعة الرسمية والقصر الرئاسي.

وأطلق الجنود من الجانبين صواريخهم بالقرب من منازل سكنية كان المدنيون يحتمون بها مرتعدين. وقال أحد سكان وسط الخرطوم في رسالة نصية: “نسمع قصفًا مدفعيًا كثيفًا للغاية. الأصوات مرعبة”.

كما امتد القتال ليشمل أيضًا أجزاء أخرى من السودان. وزعمت قوات الدعم السريع على الفور تقريبًا أنها استولت على مطار مروي.

كما تم الإبلاغ عن إطلاق نار كثيف بالقرب من قاعدة الأبيض الجوية في منطقة شمال كردفان، وكذلك في مواقع متعددة في دارفور.

وقُتل ثلاثة من عمال الإغاثة العاملين لدى الأمم المتحدة في اشتباكات وقعت بين الجيشين في مدينة الفاشر. وشوهدت القوات وهي تحتشد في بلدات بعيدة عن العاصمة، مثل القضارف في شرق السودان النائي والمضطرب.

وما يزال من غير الواضح ما إذا كان الصراع سيقتصر على المناوشات القصيرة أو أنه سيندلع في حرب واسعة النطاق. ويقول كلا الرجلين إنهما لن يتوقفا عن التفاوض.

ثمة وراء الاشتباكات الأخيرة في السودان صراع على السلطة بين الجنرال برهان والسيد دقلو، وبين التكوينات المعقدة من الأحزاب السياسية والميليشيات وقادة المتمردين -وحتى القوى الأجنبية المتحالفة معهم.

وهي في جوهرها قتال يدور حول من هو الذي سيسيطر على اتجاه الانتقال السياسي في السودان، الذي كان قد بدأ قبل أربع سنوات بالإطاحة بالنظام الإسلاموي الوحشي بقيادة الديكتاتور السابق عمر البشير.

كان البشير قد أُجبر على التنحي عن السلطة في العام 2019 بعد أشهر من الاحتجاجات التي قادها تحالف من النشطاء المؤيدين للديمقراطية.

وعندما استشعروا أن وقت السيد البشير قد انتهى، قام جنرالاته -ومن بينهم الجنرال برهان والسيد دقلو- بتنفيذ انقلاب لطرده من سُدة السلطة. وبعد ذلك أبرم قادة الاحتجاجات والقوات المسلحة اتفاقًا لتقاسم السلطة، كان من المفترض أن يؤدي إلى إجراء انتخابات وتشكيل حكومة مدنية.

لكن تكتيكات البشير التي استرشدت بمبدأ “فرق تسد”، والتي شُحذت على مدى ثلاثة عقود قضاها في منصبه، تركت وراءه قنبلة موقوتة: مجموعة متنوعة من الميليشيات والفصائل المسلحة التي تتنافس الآن على السلطة.

والأقوى والأبرز من بينها هو قوات الدعم السريع. وكان البشير قد أنشأ هذه القوات لتكون بمثابة ثقل موازن للجيش وجهاز المخابرات، بهيكل قيادة وتمويل خاصَّين. ولا يُخفي الرجل الذي يتربع على رأس هذه القوات، السيد دقلو، طموحه إلى الحكم.

وكذلك يفعل الجنرال برهان، الذي برز هو أيضًا في عهد البشير والذي يعتبر نفسه حارسًا لمصالح الجيش، بما في ذلك إمبراطورية الجيش التجارية مترامية الأطراف.

وقد سيطرت القوات المسلحة السودانية على السياسة منذ استقلال البلاد في العام 1956. وقامت بسحق كلتا التجربتين السابقتين لحكم الديمقراطية في البلاد -في العامين 1964 و1985.

كما وجه الجنرال برهان، المدعوم أيضًا من الجماعات الإسلامية القوية المرتبطة بنظام البشير، الضربة الأخيرة إلى الديمقراطية في العام 2021، عندما نفذ انقلابًا ثانيًا ضد القادة المدنيين في الحكومة الانتقالية التي تشكلت بعد الإطاحة بالبشير. وظلت البلاد في حالة اضطراب منذ ذلك الحين.

في كانون الأول (ديسمبر)، وقَّع زعماء الكتلة المدنية والمجلس العسكري اتفاقًا مؤقتًا يعِد بحكومة مدنية بالكامل وإجراء انتخابات في غضون عامين. ولو أنه تم تنفيذه، لكان الاتفاق سيساعد الاقتصاد السوداني المنهار من خلال فتح الباب أمام المساعدات الخارجية وتخفيف عبء الديون. لكنه كان سيعني أيضًا دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة السودانية، وإنشاء جيش وطني واحد تحت إشراف مدني. وكان من المقرر أن يتم توقيع اتفاق نهائي بهذا الخصوص في أوائل نيسان (أبريل).

ولكن، يبدو أن احتمال التوصل إلى تسوية قد عجل بالمواجهة. سوف يخسر كلا الرجلين من الاتفاقية التي سيكون من شأنها أن تقلل من سلطة القوات المسلحة على السياسة والاقتصاد.

وبسبب عدم رغبته في تسليم قيادة قواته، أصر دقلو على منحه فترة عقد من الزمن لدمج قوات الدعم السريع التي يقودها في الجيش الوطني (بينما كان ما يزال يدعي أنه يدعم الاتفاقية).

ويقال إن الجنرال برهان كان يريد أن يحدث الدمج في غضون عامين، من أجل خلع أنياب منافسه وضمان تفوق القوات المسلحة السودانية.

والأهم من ذلك أنه لم يكن هو ولا الحرس الإسلامي القديم من حوله على استعداد لقبول أي صفقة تقلل بشكل كبير من المصالح التجارية للجيش السوداني.

كما أن طلب السيد دقلو الإضافي في الجولة الأخيرة من المفاوضات، بإبعاد أكثر من 800 من كبار الضباط من القوات المسلحة السودانية كجزء من عملية الاندماج، كان “ببساطة مفرطًا أكثر من اللازم” بالنسبة للجنرال برهان، كما يشير يوناس هورنر، الخبير في شؤون المنطقة. وفي الأسبوع الماضي، قال مسؤول إسلامي من حزب البشير المحظور لوكالة “رويترز” إن جماعتهم تحاول منع إبرام الصفقة المعلقة.

وهكذا، ربما قرر الإسلاميون داخل الجيش توجيه ضربة سريعة من أجل “إعادة تأكيد سيطرة الإسلاميين على المرحلة الانتقالية والبلد”، كما يقول السيد هورنر. وكان الجانبان قد عززا في الأشهر التي سبقت اندلاع القتال قواتهما بثبات وكذلك مواقعهما في العاصمة وغيرها من الأماكن الاستراتيجية. وشوهدت دبابات تتحرك فوق النيل في الخرطوم. وقيل إن الجنرال برهان والسيد دقلو لم يعودا يتحدثان إلى بعضهما بعضا في الأيام التي سبقت بدء القتال.

الآن، أصبح خطر اندلاع حريق هائل في السودان كبيرًا. وتمتلك كل من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع شبكات عرقية وشبكات رعاية كثيفة واسعة النطاق في جميع أنحاء السودان.

والإسلاميون المحيطون بالجنرال برهان راسخون بشكل خاص في مؤسسات الدولة والاقتصاد السودانيين. كما يحظى الجنرال أيضًا بدعم مصر المجاورة. ويبدو أن مقاطع الفيديو التي نشرتها قوات الدعم السريع في 15 نيسان (أبريل) تُظهر جنودًا وطيارين مصريين أسرى في قاعدة مروي الجوية.