مرايا –

هدت مدينة القدس الشرقية عمليتي إطلاق نار خلال أقل من 24 ساعة خلفتا 7 قتلى إضافة إلى 5 مصابين، وفتحت الباب أمام تساؤلات حول الردود المرتقبة لحكومة اليمين الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو.

وجاءت العمليتان (الجمعة والسبت) ردًا على قتل القوات الإسرائيلية الخميس 9 فلسطينيين في مخيم جنين للاجئين شمالي الضفة الغربية، بينهم سيدة مسنة.

وتضم حكومة نتنياهو التي تولت مهامها أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي – إلى جانب حزب “الليكود” بقيادته – أحزابا من أقصى اليمين الديني والقومي المؤيدة في أغلبها لتهجير الفلسطينيين وتوسيع الاستيطان وتنفيذ عمليات عسكرية واسعة بالضفة الغربية.

ويرى مراقبون أن الضغوط الدولية ربما ستلعب دورا في كبح جماح حكومة نتنياهو من اتخاذ خطوات متطرفة على غرار عملية عسكرية واسعة النطاق في مدن شمالي الضفة، حيث ظهرت مؤخرا مجموعات مسلحة وجدت زخما بين الشباب.

** عقاب جماعي وتسليح المستوطنين
المجلس الوزاري الأمني المصغر بإسرائيل (كابينت) سارع خلال اجتماعه مساء السبت إلى اتخاذ سلسلة إجراءات للرد على العمليات الفلسطينية، بينها إغلاق منزل منفذ العملية في مستوطنة “النبي يعقوب” التي أسفرت عن مقتل الإسرائيليين السبعة، تمهيدا لهدمه.

الإجراء الذي دفع نحوه وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير، هو الأول من نوعه حيث جرت العادة هدم منازل منفذي العمليات بعد إجراءات تستغرق عدة أشهر دون الإسراع بإغلاقها.

كما تضمنت الإجراءات العقابية الجديدة إلغاء الحق في الضمان الاجتماعي لعائلات منفذي العمليات، وبحث سحب “بطاقات الهوية الإسرائيلية” منهم تمهيدا لترحيلهم.

ودعت الشرطة الإسرائيلية من يملكون تراخيص من مواطنيها لحمل أسلحتهم معهم للرد سريعا على منفذي العمليات، بينما تبحث الحكومة تخفيف الإجراءات البيروقراطية الخاصة بحصول المستوطنين على تراخيص لحمل السلاح.

كما أعلنت الشرطة الإسرائيلية صباح السبت، رفع حالة التأهب إلى أعلى مستوى، وبموجب القرار سيعمل عناصر الشرطة في نوبات 12 ساعة بدلا من 8، كما نشرت قوات من وحدة “يمام” الخاصة على مدار الساعة في منطقة القدس للرد سريعا على أي هجمات.

** هل تجدي عملية واسعة في الضفة لوقف العمليات؟
عبّرت عناصر في الائتلاف الحكومي اليميني عن عدم رضاها من الإجراءات التي اتخذها “الكابينت”، ما يطرح خيار تنفيذ عملية عسكرية واسعة في الضفة الغربية، لكن نتنياهو يبدو أكثر حرصا بواقع خبرته الطويلة على عدم خوض هذا الصراع لاسيما مع بداية عهد حكومته التي بالكاد مضى على تشكيلها شهر.

تقول صحيفة “هآرتس” العبرية في مقالها الافتتاحي، الأحد: “الهجوم الخطير في (مستوطنة) النبي يعقوب الذي قتل فيه سبعة إسرائيليين والهجوم الذي وقع في اليوم التالي في القدس والذي أطلق فيه فتى فلسطيني يبلغ من العمر 13 عاما النار وأصاب إسرائيليين اثنين، هو نوع جديد من التحدي للمخابرات وقوات الأمن”.

وأضافت الصحيفة أنه “رغم عدم معرفة ما إذا كان منفذا الهجومين يعملان في إطار تنظيمي معين على وجه اليقين، فإن توافر الأسلحة ودافع الأشخاص المنفردين لاستخدامها ضد اليهود يشهدان على الطبيعة الجديدة للساحة”.

وخلصت إلى أنه “بات من الواضح أن العمليات العدوانية المكثفة للجيش الإسرائيلي في مخيم جنين حيث قتل تسعة فلسطينيين بينهم مسلحين، أو اقتحام المنازل ليلا بحثا عن أسلحة ومطلوبين أو لمجرد بث الرعب، لا تنجح في قمع الدافع لتنفيذ اعتداءات تتغلغل في شرائح واسعة من الجمهور الفلسطيني”.

وجهة النظر ذاتها، يتبناها رئيس المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد، الذي قال الأحد لصحيفة “يديعوت أحرونوت”: “من الصعب جدا قمع الإرهاب الفردي. عندما يكون تنظيميا هناك عنوان وترد على العنوان. عندما يجلس شخص بمفرده في المنزل ويقرر أن يصاب بالجنون، فمن الصعب جدا رصده وفي بعض الأحيان يخلق هجمات ملهمة”.

نتنياهو نفسه، قال خلال اجتماع لحكومته الأحد، قبل ساعات من وصول وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى إسرائيل: “نحن لا نبحث عن تصعيد، لكننا مستعدون لأي احتمال”.

** ضرب غزة
تحمل إسرائيل حركة “حماس” بقطاع غزة، مسؤولية كبيرة حيال ما يحدث في الضفة، وتقول إنها تلعب دورا كبيرا في “التحريض”، وأحيانا في التخطيط لتنفيذ عمليات هجومية.

وفيما يتعلق بإمكانية الرد الإسرائيلي من خلال التصعيد مع القطاع حيث باتت “حماس” تؤمن بـ”ربط الساحات”، بمعنى الرد على أي اعتداءات إسرائيلية كبيرة في الضفة الغربية بما في ذلك القدس، قال لابيد لـ “يديعوت”: “لا أعتقد أنه من مصلحة إسرائيل الآن إشعال النار في غزة أيضا”.

وأضاف: “لقد استغرق الأمر منا وقتا طويلا لتحقيق الهدوء في غزة، من مصلحة إسرائيل أن تكون غزة هادئة”.

في ذات السياق، يقول اللواء احتياط “تامير هايمان” الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية “أمان”: “توفر تصريحات حماس سببا وجيها لمن يرغب في فتح جبهة في الجنوب أيضا”.

وأضاف “هايمان” وهو المدير الحالي لمعهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي التابع لجامعة تل أبيب (حكومية) في مقال على موقع القناة 12: “على حماس أن تدفع ثمن توجيه الهجمات، ربما عن طريق تقليص عدد العمال الذين يذهبون إلى العمل في إسرائيل”.

واستطرد: “ومع ذلك، يجب أن نتذكر أنه من الصعب إن لم يكن من المستحيل وقف ذلك من خلال عملية عسكرية في غزة”.

وحذر الحكومة من مغبة شن هجوم على غزة، قائلا: “ستنتهي العملية الانتقامية تماما كما بدأت مع اختلاف واحد مهم، ستنقلب المشاعر العالمية على إسرائيل وستصبح موضع انتقاد شديد بسبب صور الدمار المتوقعة من غزة”.

وتابع: “في مواجهة قطاع غزة، أي إطلاق نار من القطاع أو إطلاق بالونات حارقة يجب الرد عليه بصرامة، ولكن ليس في مواجهة (البوستات) على مواقع التواصل الاجتماعي”.

** “الاستيطان الانتقامي”
في المقابل، صرح نتنياهو بالخطوات الآنية التي تعتزم حكومته اتخاذها بالإشارة إلى إجراءات العقاب الجماعي التي اتخذها “الكابينت” مضيفا: “في نفس الوقت نسرع ​​في منح تصاريح السلاح للمواطنين، أيضا سنقرر قريبا خطوات لتعزيز الاستيطان في يهودا والسامرة (الاسم التوراتي للضفة الغربية)”.

كلام نتنياهو، جاء ترجمة سريعة لما ورد في المقال الافتتاحي سالف الذكر لـ “هآرتس” الذي جاء فيه: “في ظل تشكيل حكومة يمينية متطرفة تضم قيادتها سياسيين مثل وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش الذين ينادون بسياسة الرد الصهيوني المناسب، فإن الاتجاه هو نحو فرض عقوبات جماعية شديدة، ومنح تصاريح لبناء مستوطنات انتقامية وأيضاً احتلال الحرم القدسي لإظهار السيطرة”.

وأضافت الصحيفة: “بالتأكيد سيستغل بن غفير هذه الهجمات للإسراع بتحقيق رؤيته بإنشاء حرس وطني يضم نحو عشرة آلاف مواطن مسلح بالإضافة إلى قوات الأمن ووضع السلاح في أيدي أي مواطن يرغب في ذلك”.