عمر كلاب 
ليس مباغتا ولا مفاجئا الاقتراب الاردني – السوري, لمن راقب المشهد بدقة ومعرفة بحساسية الملف السوري في العقل الاردني الرسمي والشعبي, لكن افشاء خبر الزيارة بعد ساعات من وصول الملك من نيويورك, ربما هو المفاجاءة, بل وتسريبها قبل ذلك, وكأن التخوفات التي كانت سائدة في مرحلة الزيارات السرية الكثيرة والتي كانت تتم شهريا على ابعد تقدير, بين العسكريين والامنيين من الطرفين قد زالت وبات واجبا اشهار العلاقة, بعد ان نجحت عمان بقيادة الملك عبدالله في كسر حدّة الموقف الامريكي من النظام السوري, ونقلته من رحلة التفكير باسقاط النظام الى مرحلة اصلاح النظام. 
ربما لا يعرف كثيرون حجم الضغوطات التي تعرض لها الاردن, للدخول في الحلف الهادف الى اسقاط النظام السوري عسكريا, متزامنا ذلك مع طرح صفقة القرن, التي أذعنت لها عواصم عربية لديها القدرة على الرفض والامكانيات اضعاف قدرة عمان, لكن الرهان الاردني الناشئ عن المعرفة العميقة بطبيعة الداخل الامريكي, جعلت من الاردن لاعبا اساسيا, رغم محاولات عربية عديدة للقفز عن دوره وصلت الى حد تهميشه والسعي الى تهشيمه, لكن الشجاعة صبر ساعة, وقد فعلها الملك, فالمطبخ الامريكي كان عاكفا منذ جلوس ترامب في البيت الابيض, على اخراجه منه بأي ثمن, وقد رأينا طبيعة التحالفات التي سادت داخل المجتمع الامريكي قبيل الانتخابات التي اسفرت عن هزيمة ترامب وليس هزيمة الترامبية.
سيقول محترفو اشعال الحرائق السياسية ان الاردن دخل في الحلف, بل ان غرفة العمليات الرئيسة كانت في الاردن, وهذا صحيح ظاهريا, لكنه يحمل الكثير من ادوات نقضه, فحجم التدخل كان محدودا وبما يخدم حماية الحدود الاردنية وعدم سقوطها في ايدي الدواعش وباقي تكوينات منظومة العبث الاقليمي, فقد انفتحت السردية السورية على الغارب, ووضع كل لاعب اقليمي اصابع له في هذه السردية, ولولا التدخلات الروسية التي جاءت بالتناغم والتوافق مع الاردن وربما بنصيحة منه كما تقول بعض المصادر, لكان الحال ليس كما نراه, فقد وصلت حجم الاستباحة للاراضي السورية لما يفوق السبعين في المئة من اراضيه, وجلس على تلة خالد البعيدة بضع امتار عن الحدود الاردنية تنظيم داعش, وكان مقررا ان يتوسع هذا الجيب ليصبح الحقيقة على حدودنا الشمالية.
الخبر الرسمي مقتضب وتحدث في الجوانب العامة, كعادة اخبارالقوات المسلحة – الجيش العربي, حيث استقبل رئيس هيئة الأركان المشتركة اللواء الركن يوسف أحمد الحنيطي، امس الأحد، في عمان وزير الدفاع/ رئيس أركان الجيش السوري العماد علي ايوب, وتم خلال اللقاء بحث العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، وفي مقدمتها تنسيق الجهود لضمان أمن الحدود المشتركة بين البلدين، والأوضاع في الجنوب السوري، ومكافحة الارهاب والجهود المشتركة لمواجهة عمليات التهريب عبر الحدود وخاصة تهريب المخدرات.
وذلك كله صحيح, لكن الزيارة عميقة الدلالة, بحكم حجم مساحة الاشتباك الممنوحة للقوات المسلحة الاردنية – الجيش العربي والبالغة حوالي 40 كلم متر داخل الحدود السورية وهذه لوحدها تشي بحجم العمل المشترك والتنسيق العميق, فالزيارة ودلالة نشر خبرها الرسمي, فيها الكثير من الاوراق الواجبة تظهيرها بعد ان بقيت حبيسة المكاتب والزيارات السرية, فالجنوب السوري بات بوابة الطاقة لسورية ولبنان, وبوابة اخرى لتقارب سوري مع اطراف اقليمية كان مجرد الحديث عنها من المحرمات.
الاردن بدا فعلا بفتح الابواب المقفلة في وجه الشقيق السوري, وعلنية الزيارة او الاعلان عنها في هذا التوقيت, يعني ان التحالف الثلاثي ( الاردن, مصروالعراق ) بات قابلا لعضو رابع, تمهيدا لعودة سورية الى جامعة الدول العربية, وترطيب العلاقات مع الغرب وتحديدا واشنطن التي تعيد تموضعها في المنطقة.