خلال الأسابيع القليلة الماضية، انتشر مقطع فيديو لرجل يُدعى يعقوب، بلهجة أمريكية من “نيويورك” يتحدث مع شابة فلسطينية – منى الكرد – يظهر فيه استيلائه على منزلها بالقوة، “إذا لم أسرقه فسيأتي شخص آخر لسرقته.”

 
أثار الفيديو اهتمامًا عالميًا واسعاً حيث أظهر نزع الملكية الهمجي من منازل حي الشيخ جراح في القدس من مالكيها الفلسطينيين وكشفت صراحة فوتشي عن القبح الحقيقي لعمليات التهجير القسري للفلسطينيين في القدس التي يمارسها الاحتلال الصهيوني بهمجية في الآونة الأخيرة، فضلاً عن القبح الأكبر للمشروع الصهيوني الأوسع الذي بسببه سرقت بالمثل منازل الفلسطينيين وتم طردهم وتشريدهم من عام 1948 و1967 حتى اليوم لإقامة ما يسمى بدولة “الكيان”.

ومن المثير للاهتمام، وأنه على الرغم من تعريفه عن نفسه بأنه “يعقوب”، فإن الاسم الحقيقي لهذا الشخص المُبدن في الواقع هو (جاستن سي فوتشي). حيث أن الاسم يعقوب هو اسماً مستعارًا لرجل من إيست ميدو، نيويورك، أمريكي الأصل يُدعى جاستن سي فوسي.

علاوة على ذلك، تظهر لقطات الشاشة هذه دليلاً يوضح أفراد أسرة جاستن بمن فيهم والدته روندا فوتشي، حيث تسأل روني فوتشي على فيسبوك عن ابنها، وتذكر يعقوب فوتشي كأحد أفراد العائلة التي ذهبت للاستيطان بالقدس بينما تشير إليه أيضًا باسم جاستن في منشورات أخرى على فيسبوك.

نشأته وظهوره

وفقاً لقاعدة بيانات مدرسته، فإن جاستن فوتشي تخرج من مدرسة إيست ميدو الثانوية في لونغ آيلاند في ماساتشوستس عام 1997، ثم تخرج من جامعة برانديز في عام 2002. وفي عام 2003، تم العثور على جاستن سي فوتشي متورطًا في عمليات احتيال في الفوركس “تداول البورصة”، كما واتهم مرات عديدة بالتآمر والاحتيال على حكومة الولايات المتحدة.

ولا يُعرف الكثير عن فوتشي في الفترة ما بين 2003 و2009 فمن المرجح أن يكون قد أمضى هذا الوقت في السجن. حيث انتقل فوتشي بمساعدة منظمة المستوطنين الأمريكية ومؤسسة نحلات شمعون الدولية إلى منزل نبيل الكرد وعائلته في حي الشيخ جراح في القدس.

وفي مقابلة أجراها فوتشي مع شبكة فايس الأمريكية “Vice”، قدم نفسه بشكل غريب على أنه “يعقوب”، حين أشارت الترجمة الإنجليزية لاسمه العبري، ” “Yaakov.ومن الواضح أنه يذهب إلى ستار اسم يعقوب من حين إلى آخر، ويضع اسم جاستن وراء ظهره.

ووصف جاستن انتقاله إلى حي الشيخ جراح “بالقصة الطويلة” وأكد أنه لم يذهب إلى هناك “لإبعاد الفلسطينيين” بل “لإبقاء وجود اليهود في المدينة”.

وأضاف إن “[الفلسطينيين] لن يعودوا إلى هنا، سواء كنت هنا، أو لم أكن، سواء كنت أنا، أو شخص آخر، سواء كان قردًا، أو زرافة، فلن يعودوا إلى منازلهم هذه على الإطلاق.”

دعمه للتطرف في الولايات المتحدة والكيان

وجه فوتشي دعماً كبيراً للرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب. وكما كان واضحاً أن الرئيس الأمريكي السابق كان متحمسًا لتكثيف رقعة اليهود على الأراضي الفلسطينية ودعم المستوطنين أمثال جاستن فوتشي. كما شجب فوتشي حالات الحظر الشامل والإغلاق والتطعيمات ضد فيروس كورونا، الأمر الذي كان قد تبناه من قبله الرئيس الأمريكي السابق رغم معارضة الكثير من أعضاء الكونجرس آنذاك.

بالإضافة إلى دعم ترامب والمؤامرات الجائرة، دعم فوتشي أيضًا الحاخام اليميني المتطرف الفاشي، الحاخام مائير كهانا. كما وقام بمشاركة اقتباسات ومقالات من كهانا على صفحته على فيسبوك.

من الجدير بالذكر أن مائير كهانا كان حاخامًا مقيمًا في بروكلين، وقد أسس رابطة الدفاع اليهودية (JDL) في عام 1968. وكان قد وساند كهانا هجرة اليهود إلى فلسطين، وعدم السماح لغير اليهود بالمواطنة في دولة أسماها بـ “الكيان.” وأكد كهانا أيضاً أن “الصهيونية والديمقراطية على خلاف.”

قال ” أقول بوضوح إنني أقف مع الصهيونية، وأن فكرة دولة يهودية ديمقراطية هي هراء”.

في سياق زمني آخر، تم إعلان منظمة كهانا منظمة إرهابية من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي بعد أن قتل أعضاء (JDL) أليكس عودة، رئيس لجنة مناهضة التمييز ضد العرب في عام 1985، وتآمروا لقتل عضو الكونغرس داريل عيسى عام 2001.

كان باروخ غولدشتاين من أتباع كهانا الآخر، وهو طبيب مقيم في بروكلين، قتل في عام 1994 تسعة وعشرين فلسطينيا وجرح 125 آخرين أثناء صلاتهم في المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل بالضفة الغربية. في جنازة غولدشتاين، أكد الحاخام يعقوب بيرين، أحد أتباع كهانا، أن “مليون عربي لا يساوون ظفر يهودي واحد.” قبل أن يرد المحتشدين والمؤيدين له على إعلانه اللاإنساني بهتافهم “كلنا غولدشتاين. وليخرج العرب من الكيان.”

تظهر هذه الصورة فوتشي على فيسبوك أنه مؤيد لحزب أرييه كينغ “القدس الموحدة” – الذي يهدف لطرح مسألة التعايش المزيف مع الفلسطينيين – المقترحة من مجلس مدينة القدس – الذي ينوب برئاسته “أرييه كينغ”، نائب رئيس بلدية القدس الحالي، والذي يعد بدوره داعمًا للمستوطنين والكاهنيين.

وفي سياق متصل، في أعقاب الاحتجاجات التي حدثت من سكان حي الشيخ جراح ضد مجموعات المستوطنين أمثال “جاستن”، أطلقت الشرطة الصهيونية النار على الناشط والمتظاهر الفلسطيني محمد أبو الحمص في أسفل ظهره وكان أرييه كينغ، نائب رئيس بلدية القدس التابعة للاحتلال شاهداً على هذه الجريمة على الهواء مباشرة وسخر من أبو الحمص، وقال إنه من المؤسف عدم إصابته في رأسه. حيث كان كينغ حينها يقف بجانب اثنين من أتباع مائير كهنا، بنتزي غوبستين، وعضو الكنيست إيتامار بن غفير.

بصور عديدة، قد يظهر جاستن فوتشي كوجه أخرق للشر والسرقة والاستعمار. ويحرك يديه كثيرًا عندما يتحدث دلالة على محاولته للتظاهر بالأحقية، وربما يكون متطلعاً قليلاً على الطبيعة الاستعمارية الاستيطانية لمشروعه وأسياده. إن جاستن بأفكاره ليس بخارج عن المألوف من الناحية الاستيطانية، بمعنى أن الفلسطينيين يتوقعون أن يقول كل مستوطن لهم في القدس “إذا لم أسرقها، فسيسرقه شخص آخر”.

ما وراء تلك الشخصية المنعزلة هذه هو عدم احترام مطلق لإنسانية الفلسطينيين الذين تسلب منهم حقوقهم ومنازلهم.

ومما يثبت أن المجتمع الصهيوني مجتمع عنصري، وحاضنة مثالية لأعداد كثيرة من أشباه وأتباع “جاستن” أعلن الرئيس الصهيوني الأسبق، رؤوفين رفلين، في عام 2003 أن المجتمع الصهيوني “مجتمع مريض”، وذلك بعد تصاعد أعمال العنف ضد الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية. من جهة أخرى وصف نائب رئيس بلدية القدس مجتمع بلاده بنفس الطريقة ضاحكاً على متظاهر أطلقت عليه الشرطة الصهيونية النار، “هذه قوة مريضة”.

لكن ما هو جدير بالملاحظة حول جاستن فوتشي هو أنه لم ينشأ في الكيان. بل نشأ في لونغ آيلاند، ودرس في جامعة برانديز، وكان من حمقى الأنشطة المجتمعية اليهودية الأمريكية. ومن المحتمل أنه عمل كوسيط مالي للحملات الصهيونية، وقد أمضى بعض الوقت في السجون الأمريكية.

من نواحٍ عديدة، فإن المساحات المجتمعية الهشة والمبنية على السرقة والمراباة التي عاش فيها فوتشي حياته هي المسؤولة والسبب الرئيس عما يحدث في الشيخ جراح وكل فلسطين حتى يومنا هذا. ففي كل يوم يبقى فيه جاستن فوتشي في منزل عائلة الكرد، فإن الظروف التي عاش فيها فوتشي هي أبرز الأسباب عن تلقينه لتجاهل الإنسانية الأساسية للشعب الفلسطيني، وحقه في الكرامة والعدالة. وفي حين يرى الكثيرون أن الاحتلال الصهيوني قضية دولية معقدة جداً، ما يظهره جاستن فوتشي في كل تصريحاته المتطرفة والعنصرية هو أن الاحتلال الصهيوني هو في الأساس طبق استعماري مجمل بملح أمريكي خالص.

فالسؤال الذي يطرح نفسه من وراء حقن هذه الراديكالية والسياسات العنصرية الاستيطانية ضد الفلسطينيين والعرب بشكل أجمع في عقول غير اليهود؟