مرايا – “كم علبة تدخنين باليوم”.. كان هذا السؤال الصادم الذي طرحه الطبيب على السبعينية سعاد ابراهيم. استغربت وأصابها الخوف والقلق وكان جوابها على الفور، “دكتور أنا ما بدخن”!
الطبيب أشعر المريضة وكأنها تدخن منذ سنوات طويلة، ليعتلي الذهول وجه سعاد التي عادت لتؤكد له أنها غير مدخنة، ولم تمسك سيجارة واحدة في حياتها.
ذلك الطبيب استعرض صور رئتيها التي تشبه تماما الشخص المدخن، وهو ما دفعها لإخباره بأن أبنائها الأربعة الذين يأتون لزيارتها والاطمئنان عليها يوميا، يمضون وقتا طويلا معها وهم يدخنون السجائر بغرف صغيرة.
التدخين المستمر حولها من قبل المحيطين سبب لها العديد المشاكل الصدرية التي أوصلتها لمرحلة صعبة جدا في العلاج، كما أثرت على باقي أعضاء جسدها وعلى الجهاز التنفسي.
ولا يدرك العديد من الأشخاص المضار الصحية التي يتسببون بها للآخرين جراء التدخين والتأثير السلبي على غير المدخنين، وخصوصا الأطفال، إذ لم يكن غريبا بأن تكون نسبة التعرض للتدخين السلبي من اليافعين (13-15 سنة) 65 %، بحسب احصاءات مركز الحسين للسرطان، بسبب غياب الرقابة الذاتية عن البيوت التي لا يحكمها القانون ويبقى الاعتماد على مدى وعي الأسر.
والدة الطفل رامي (9 سنوات) عبرت عن تخوفها واستيائها الشديدين جراء استنشاق صغيرها لكميات هائلة من “السم القاتل” خلال جلوسه وسط تجمعات تعبق بأنفاث السجائر والأراجيل من هنا وهناك، خصوصا وأنه يعاني من أزمة صدرية “ربو” منذ الولادة.
وتقول أن أغلب أفراد عائلتها وعائلة زوجها مدخنين، ويتبادلون الزيارات بين الحين والآخر، ويجلسون لساعات طويلة، مما يؤدي لتراجع حالته الصحية.
وتضيف أنها قامت باصطحاب طفلها للمستشفى أكثر من مرة، وعقب العديد من الجلسات، ليتلقى العلاج اللازم من حقن الإبر واستنشاقه لـ “تبخيره” تساعده على التنفس، مبينة، أنها قررت مؤخرا تخفيف هذه الزيارات والجلسات لتحافظ على صحة صغيرها.
وبالرغم من أن القانون ووفق المادة 53 من قانون الصحة العامة 2008 يحظر التدخين داخل الأماكن العامة، ومدى أهمية تفعيله والعمل عليه؛ يصعب تفعيل أي قانون داخل البيوت، ويبقى هذا الأمر الأصعب، إذ يعتمد الأمر على مدى وعي الأسرة وأهمية الرقابة الذاتية لكي لا يتأذى أحدا.
وما يزال هنالك عائلات مدخنة ترفض الحديث عن مضار التدخين السلبي، كما ترفض أن يتواجد الأبناء بدورات التوعية التي تقام بالمدارس عن التدخين لما يسببه لهم ذلك من احراج أمام أطفالهم.
ويسهم تعاطي التبغ والتعرّض لدخانه غير المباشر، وفق ما نشرته منظمة الصحة العالمية في وقوع وفيات نسبتها 17 % تقريباً من مجموع الوفيات الناجمة عن أمراض القلب، علما بأن تعاطيه هو السبب الرئيسي الثاني للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية بعد ارتفاع ضغط الدم.
ويحصد وباء التبغ العالمي أرواح أكثر من 7 ملايين شخص سنويا، منهم 900 ألف شخص تقريبا من غير المدخنين الذين يفارقون الحياة من جراء استنشاقهم لدخان التبغ غير المباشر.
استشاري الأمراض الصدرية والحساسية الدكتور عبدالرحمن العناني يؤشر على قاعدة تقول بأن الشخص الذي يجلس في غرفة فيها أربعة مدخنين، يعتبر هو المدخن الخامس مثلهم تماما.
ويضيف أن التدخين السلبي يخلف وراءه الكثير من الأمراض الخطيرة على الشخص بداية من السعال وضيق التنفس وصولا إلى السرطان والارتداد الرئوي، مبينا أن المرضى الذين لديهم حساسية هم الأكثر عرضة وتأثيرا.
ويعتبر العناني أنها كارثة في حق الصغار، إذ يتعرض الطفل لنوبات شبيهة بنوبات الربو دون أن يكون لديه أي أعراض مرضية. ويلفت إلى أن المرأة الحامل التي تدخن يعتبر جنينها “مدخنا سلبيا” كذلك، ولديه احتمالية الإصابة بالربو 3 أضعاف أكثر من الطفل العادي، لذلك لا بد من تجنب التدخين السلبي ومخاطره والعمل على منع التدخين في البيوت وكل مكان في العالم لما له من مخاطر جسيمة.
وفي ذلك يذهب الدكتور هاني جهشان مستشار الطب الشرعي الخبير في مواجهة الصغار والكبار، إذ لا يوجد قانون يطبق داخل المنزل.
حيث أكد على أهمية توعية الأسرة بمنع التدخين مطلقا داخل المنزل باتفاق جميع الأفراد، ودون استثناء مهما كانت مساحة المنزل أو الشقة.
ويشير إلى أهمية توضيح أفراد الأسرة للضيوف من أقارب وأصدقاء بأن يدخنوا في منطقة محددة خارج المنزل، والحرص على التخلص من كل أدوات التدخين من المنزل والمنفضات من على جميع أثاث المنزل.
ويواجه الأشخاص الذين يتعرضون لدخان التبغ السلبي ذات المخاطر المزمنة التي يوجهها المدخنون أنفسهم فهم أيضا يستنشقون الغازات السامة والمواد الكيميائية الخطرة الموجودة في دخان التبغ.
في دراسة معتمدة من قبل منظمة الصحة العالمية تبين أن أكثر من ثلثي “غير المدخنين” لديهم قناعة أن هناك مخاطر حقيقية ناتجة عن التدخين السلبي، مقارنة مع فقط اقل من نصف المدخنين يعتقدون بحقيقة هذه المخاطر، وهذه الدراسة تستوجب توعية المدخنين بمخاطر التدخين السلبي.
والدراسات المعتمدة من قبل منظمة الصحة العالمية منذ عشرات السنين، توضح بشكل جلي ارتباط التدخين السلبي لدى الأطفال مع معاناتهم لاحقا من أمراض الرئتين بما فيها السرطان وأيضا زيادة احتمال تعرضهم لمرض تصلب الشرايين لاحقا.
وتذهب عضو جمعية “لا للتدخين” الدكتورة لاريسا الور إلى أن التدخين القسري يتم داخل البيوت ويتأثر الأطفال فيه بشكل كبير وهو ما يعطي قدوة سلبية للمحيطين، ومجرد أن يجد الطفل بأن التدخين منتشر بكل مكان بدون ضوابط، فإن ذلك ينمي لديه بأن هذا السلوك مسموح ومقبول.
وهنا، يبين جهشان مخاطر التدخين السلبي على الأطفال والتي تتسبب في سرعة تنفس الأطفال بالدقيقة الواحدة أكبر من مثيلتها لدى البالغين، مما يعني أنهم يستنشقون المواد الكيميائية الضارة في دخان التبغ بشكل يفوق ما يستنشق الكبار.
إلى ذلك، هم معرضون للخطر بشكل أكبر من البالغين لأن أجسامهم صغيرة وما تزال في طور النمو والتطور، وهذه المخاطر تشمل الإصابة بانخفاض وظائف الرئتين، وزيادة احتمال الإصابة بالربو، وزيادة احتمال الإصابة بالتهاب الأذن الوسطى، والتهاب السحايا البكتيري، والتهاب الشعب الهوائية والإلتهاب الرئوي الحاد. وتكون المخاطر كبيرة جدا على الأطفال الرضع في السنة الأولى من أعمارهم بسبب زيادة احتمال حصول الوفاة المفاجأة المرتبط بالتدخين السلبي، وفق جهشان.
ويذهب الاختصاصي الأسري أحمد عبدالله إلى أن البيوت لا يحكمها القانون بمفهومه، فالعلاقات المنزلية تقام على المصلحة لأفراد البيت، ومن مصلحة أفراد البيت أن يعيشوا في بيئة آمنة صحية، واستنشاق هواء نظيف غير سام.
كما أن الوعي يلعب دورا كبيرا في أن يلزم الشخص نفسه بعدم التدخين لحماية جميع أفراد العائله، وفق عبدالله.
مديرة الارشاد والتوجيه بوزارة التربية والتعليم الدكتورة نبيلة الحناقطة تشير إلى أن الوزارة وعلى مدار العام تعقد حملات وبرامج توعية توجه للمدارس عن التدخين السلبي ومخاطره، الى جانب العمل مع الجمعية الملكية للتوعية الصحية على برنامج ليتم تطبيقه في المدارس، فضلا عن نشرات توضيحية تقدم للطلاب واجتماعات تعقد مع أولياء الأمور للعمل على التوعية والحد من هذه الظاهرة.