مرايا – فيما أشاد إعلاميون بقرار الحكومة “المفاجئ” أمس بسحب مشروع القانون المعدل لقانون الجرائم الإلكترونية من مجلس النواب، فقد اعتبروا أن الحراك الشعبي الأخير كان “القشة التي قصمت ظهر البعير” وأجبرت الحكومة على سحب القانون.
مشروع القانون، الذي كانت حكومة الدكتور هاني الملقي دفعت به في أيار (مايو) الماضي الى مجلس الأمة بأواخر أيامها، تمنعت حكومة د. عمر الرزاز طويلا في سحبه استجابة لدعوات فاعليات شعبية ومنظمات مجتمع مدني، لإجراء تعديلات تطال مواده الجدلية، التي ترى فيها تلك الفاعليات “تقييدا لحرية التعبير وتشديدا للعقوبات” للحد من النقد الموجه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتمسكت الحكومة بموقفها بضرورة فتح حوار وطني حول القانون في مجلس النواب.
إلا أن المطالبة بسحب مشروع القانون عاد ليتصدر شعارات الحراك الشعبي، واحتجاجات الدوار الرابع، والذي رفع من سقف الانتقادات للحكومة، مطالبا برحيلها، فيما اعتبر مراقبون ان سحب “الجرائم الالكترونية” يأتي من قبيل محاولات الحكومة لتخفيف الاحتقان مع الشارع وتقديم رسالة ايجابية للمحتجين قبل أن تتزايد أعدادهم وفاعليتهم!
واعتبر إعلاميون، أن جميع من التقتهم الحكومة من ممثلي القطاعات والفعاليات الشعبية والنقابية والحزبية ومؤسسات المجتمع المدني كانوا “أبدوا رفضهم لمشروع القانون”.
رئيس تحرير صحيفة السبيل، الزميل عاطف الجولاني، رأى أن سحب القانون “خطوة إيجابية تُحسب للحكومة”، وأعطت بادرة ارتياح للأوساط الشعبية والمؤسسات الإعلامية والمهتمين بقضايا الحريات العامة وكل المواطنين، لكون القانون “لم يكن يستهدف المؤسسات العامة أو صحفا وإنما الجميع”.
وأشار الجولاني، إلى أن النصوص الخلافية المتعلقة بالعقوبات، كانت تستهدف أي مواطن يمكن ان يقع تحت طائلة القانون، مبينا أن الحكومة “رضخت للنقد القوي الذي حصل في الفترة الماضية، والذي شكل رأيا عاما معارضا للقانون”.
وأضاف ان الحكومة “باتت تعي أن هناك معارضة مجتمعية واسعة للقانون، عبر عنها بوضوح الحراك الشعبي الذي رافقه احتجاجات كبيرة شهدتها العاصمة والمحافظات، وركزت على قانون الجرائم الإلكترونية كأحد اهم مطالب تحركها”.
وأوضح انه لأول مرة منذ زمن، أصبح هناك توافق بين شرائح المجتمع حول معارضة القانون لأنه يستهدف الجميع دون استثناء، و”هناك شعور عام على المستوى الشعبي بأن تطبيقه سوف يؤدي لتضييق هوامش الحريات”.
وطالب الجولاني، بضرورة توسيع هوامش الحرية، بعد أن جاء القانون بالاتجاه المعاكس، منوها إلى أنه يضيق على المواطنين”، مع تأكيده على الرفض المبدئي ايضا للإساءة للأشخاص.
وبين أن بنود القانون “المسحوب” كانت متشددة، داعيا إلى إعادة النظر بالعقوبات خاصة في قضايا الذم والقدح والتوقيف الإداري.
رئيس لجنة الحريات في نقابة الصحفيين، الزميل يحيى شقير، أشاد أيضا بسحب مشروع القانون، لافتا إلى أن أسباب سحبه كثيرة حاليا.
وبين شقير أن صدى القانون “السيئ”، شكل مادة دسمة تناولها العديد من القانونيين والنواب والإعلاميين وحتى القضاة وأساتذة القانون الجنائي، لما له من “مساوئ ومضار على حالة حرية التعبير، وأعطاهم قناعة بان مواده فضفاضة”.
ورأى شقير ان السبب الحقيقي لسحب الحكومة للقانون “هو الحراك الشعبي الذي جرى مؤخرا بالقرب من الدوار الرابع وفي مناطق عدة من محافظات المملكة، إضافة إلى أن التقرير الدولي الشامل لحالة الأردن في مجلس حقوق الإنسان بجنيف، والذي صدر مؤخرا، أشار إلى حالة المملكة السلبية في حرية الرأي والتعبير”.
واعتبر أن المهم الآن، “هو أن الحكومة استمعت للناس وأخذت بمطالبهم”.
وأضاف أن البنك الدولي، أصدر تقريرا الأسبوع الماضي، حول مدى مشاورة الحكومات لشعوبها بإقرار القوانين، وبمشاركة 186 دولة حول العالم في أول مرة بتاريخه، حيث حصل الأردن على معدل 2 من 5 درجات، بنسبة 40%، وهي نسبة تجعله من الدول التي تتفرد حكوماتها بإقرار القوانين دون النظر لمطالب شعوبها.
وأكد شقير، ان المطلوب حاليا ” هو خضوع كامل القانون للتعديل، خاصة المادة 11 في القانون الأصلي والتي لم تكن مقدمة للتعديل من الأساس، والتي فيها خلل تشريعي كبير لم يسبق حصوله في تاريخ التشريعات الأردنية”.
وتنص المادة 11 من القانون الساري لسنة 2015، على أنه “يعاقب كل من قام قصداً بإرسال أو إعادة إرسال أو نشر بيانات أو معلومات عن طريق الشبكة العنكبوتية، أو أي نظام معلومات، تنطوي على ذم أو قدح أو تحقير أي شخص، بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر وبغرامة لا تقل عن 100 دينار ولا تزيد على ألفي دينار”.
وساوت المادة 11 بين عقوبة الذم والقدح والتحقير، علما أنها في قانون العقوبات منذ العام 1960، فإن كل عقوبة تختلف عن الأخرى، والتي كان أكبرها عقوبة الذم ثم القدح ثم التحقير، حسب شقير.
وأضاف أن هناك أخطاء قانونية بتعريف خطاب الكراهية، مشبها الخطاب بأنه “دفن 3 أموات في قبر واحد”، عبر إثارة النعرات الطائفية والتحريض ومن ثم الإشاعة. لافتا الى أن هذه الجرائم الثلاث، لها عقوبات منفصلة، وأنه لا يجوز الجمع بينها جميعا بجريمة وعقوبة واحدة.
وبين أن خطاب الكراهية، “جاء فضفاضا”، حيث أن جريمة إثارة النعرات الطائفية موجودة بالمادة 150 من قانون العقوبات وفي المادة 38 من قانون المطبوعات، حيث أن عقوبتها في قانون العقوبات هي التوقيف، أنما في قانون المطبوعات فعقوباتها غرامة مالية، وكذا جرائم الذم والتحقير.
واعتبر أن هناك تضارب في القوانين الأردنية، حيث لا يجوز ان تكون هناك جريمة واحدة، تعاقب عليها 3 قوانين بعقوبات مختلفة.
اما الرئيس التنفيذي لمركز حماية وحرية الصحفيين، الزميل نضال منصور، فاشاد ايضا بسحب القانون، باعتباره “خطوة إيجابية مقدرة للسلطتين التشريعية والتنفيذية وتصب بمصلحة الدولة وتساهم بنزع فتيل التوتر لأن سحب “الجرائم الإلكترونية” كان على رأس مطالب المحتجين في الأردن.
وشدد منصور على أن المبادرة والاستجابة الرسمية لسحب المشروع، يجب أن يتبعها خطوات جادة للتشاور مع الخبراء وأصحاب المصلحة بدراسة جدوى تعديل القانون.
وأشار إلى أن سحب المشروع، لم يأت بنتيجة لحظية، حيث كان رئيس الوزراء الرزاز قد عبر عن ملاحظاته حول المشروع في أكثر من مناسبة، وخاصة في المادة 11 وقانون خطاب الكراهية الذي وصفه بغير “المنضبط” وقد يتسبب بقيود على حرية التعبير.
وأوضح منصور أن القانون لا توجد حاجة ملحة له، خاصة وأن كل الجرائم الموجودة فيه، موجودة بقانون العقوبات وغيره، وبالتالي هناك “مظلة تشريعية كافية لتغطية الأفعال التي يراد تجريمها”.