مرايا – بقلم: عمر كلاب
في العادة لا أحب الخوض في المسألة الدينية, ليس بحكم عدم الاطلاع او قلة المعرفة, فكلنا ننتمي الى الثقافة العربية الاسلامية, وقد استغرقني البحث الديني فترة ليست بالقليلة, وتحديدا في المنهج الديني وأثره السياسي, من خلال قراءة التاريخ العربي الاسلامي بعين النقد او بعين المادية التاريخية, وانتمي الى مدرسة اليسار الديني ان جاز التعبير, فالاسلام دين يقبل التنوع الفكري, ورأينا في التاريخ وجود افكار متصارعة في المشهد الفكري الديني, واذا كانت الاشارة النبوية القائلة» اصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم, فهذه مباركة نبوية للاختلاف داخل الفكر الديني, فالصحابة رضوان الله عليهم تباينت افكارهم – خارج العبادات طبعا – في المعاملات من اقصى اليسار الى اقصى اليمين.

وما يدور اليوم في ساحة الفكر الديني, يستوجب وقفات وليس وقفة, وهناك رعب من ملامسة الحالة الدينية في البلاد, ربما لأنه يمنح الرأس راحة, او لانه متنازع فيها بشكل سافر, والاقتراب منه يستوجب الصدام مع اطياف ترى انها صاحبة الولاية العامة في هذه الملف, سواء في وزارة الاوقاف والشؤون والمقدسات الاسلامية, او في الاحزاب ذات المرجعية الدينية, او الحركات الدينية غير المؤطرة حزبيا, وكل طرف يستكثر على الكتاب والباحثين من غير تلك المراكز الدينية الدخول الى هذا الميدان الفكري, رغم ان بلدانا شقيقة وصديقة أثرت مكتبتها الوطنية بتراث فكري هائل نتيجة الاختلاف بين المدارس الفكرية الدينية, ولم يفعل الناشطين في الحقل الديني في بلدنا – باستثناء الفاعلين في حقل الحركات الجهادية الاسلامية – الا بمناقشة ذلك الارث تأييدا او معارضة, دون انتاج وطني.

في الصراع المحتدم اليوم بين الفكر السياسي الديني, وخصومه, لأن لا احد يصارع الدين كدين, ثمة اصطفاف مواقفي اكثر منه نقاش فكري قابل لانتاج معرفة, فمثلا يخرج علينا من يقول: لماذا لا نستبدل الاضحية بتبرع للفقراء, او لماذا لا يتبرع راغب في اداء مناسك العمرة بثمن الرحلة للفقراء, وهي اسئلة في ظاهرها مشروعة, لكن في باطنها تناقض حاد, لان المفاضلة في هذه الحالة تتم بين فضيلتين, فمن يوقر شعائر الله يرتكب فضيلة ومن يتبرع ويتصدق يرتكب فضيلة ومن يعتمر كذلك, اذا لماذا المفاضلة على هذه الشاكلة بدل المفاضلة, بين تخفيض كلفة السياحة والسفر او التدخين او الارجيلة والتبرع بها للفقراء, فهذا هدر مالي بائن بينونة كبرى تحديدا في الارجيلة والتدخين.

كذلك تتصدى وزارة الاوقاف لتنظيم وقوننة وتأطير جمعيات المحافظة على القرآن وتحفيظه, فيخرج علينا من يقول ان الوزارة تريد للاطفال والشباب ان يذهبوا الى المجون والفواحش, وكأنهم هم وحدهم الذين يمتلكون فضيلة تحفيظ القرآن على اسس اخلاقية, فيما ستقوم الوزارة بتحفيظ القرآن بطريقة ماجنة لا سمح الله, او تسعى عبر شيوخها الاجلاء الى اغلاق هذه الدور, علما بان كثيرا من دور تحفيظ القرآن تمارس عملا موازيا, او كما وصفها احد شيوخ المنابر «سبوبة «, والغريب ان اي طرف لا يعترف بضرورة الجلوس على مائدة واحدة لضبط العمل في هذه المراكز, التي قامت وتقوم بدور تنويري وتثقيفي مهم, لكنها في الفترة الاخيرة, فقدت الكثير من تاثيرها بسبب تداخل المالي والاستثماري تحت لافتة الدين, وبل بات القائمون على هذه المراكز من متدني الوعي والثقافة, وهذا خطر داهم وقاتل لمجتمعنا.

ضربت مثلين في معسكرين, كلاهما يحاول سرقة تعاليم الله, او على الاقل احتكارها لنفسه, وبالتالي امتلاك شرعية تفسيرها او توضيبها وتقديمها للناس, وهذه افعال لصوصية، تستهدف تعاليم الله, وهذا يستدعي ان ينفتح الفضاء الديني للحوار الفكري, وان تتم فعلا دراسة حالة التدين في البلاد, بشكل علمي ومنهجي, فهل كل ملتحٍ متدين, وهل كل سافرة اقل تدينا, علما بأنني اعرف كثيرا من الصبايا غير المحجبات يمتلكن في حقائبهن ملابس الصلاة, واعلم ان كثيرا من الملتحين والمتحدثين بشؤون الدين لا يقيمون فرضا, فهل اكتفينا بالمظهر التديني على حساب الدين, وهل احتكرنا الدين على من يلحق اسمه بدين؟

omarkallab@yahoo.com