بهدوء 

مرايا – كتب: عمر كلاب 

في معرض الضلالة والتضليل التي مارستها علينا طبقة النيوليبرالية التي سادت لفترة في المشهد الأردني سياسيًا واقتصاديًا , قامت بتذويب الفوارق بين المصطلحات وإنتاج مصطلحات ” هايبرد ” في الفضاء المحلي , ولعل أخطرها إلغاء التمايز بين التنمية والنمو , فقد سعت هذه الطبقة المتشكلة منذ معاهد وادي عربة وتأطرت وقويت منذ بواكير الألفية الثالثة , بالاحتفال بنسبة النمو المرتفعة التي حققتها الموازنة ابان جلوسهم على مقاعد السلطة , حتى بلغت 8% حسب عرّاب هذه المدرسة واحد سدنتها الأساسيين.. 

لم يتحدث أحد ولم يبدع تيار في نسف هذه النظرية وكشف ضلالها وزيفها , فالمهم هو التنمية بكل مستوياتها واقانيمها , وليس نسبة النمو التي ليست مرتبطة أبدًا بالتنمية ومفاعيلها , فأيام الوفرة المالية واشتعال أسواق العقار والخدمات لم تتحقق التنمية في الصناعة والزراعة والتعليم والموارد البشرية , فمخرجات التعليم تراجعت حد التردي , والزراعة تم إجهاضها واقتربت القطاع الزراعي من الموت جوعًا وكمدا , وكل القطاعات التي حققت أرباحًا طائلة كانت مساهمتها في التنمية شبه معدومة وحتى تأثيرها على نسب التشغيل لا تكاد تذكر , فقطاع الاتصالات الذي حصد أموال الأردنيين لم يسهم في التنمية ولا قطاع الصيرفة والبنوك نجح في إنتاج وعاء تمويلي داعم للقطاعات الإنتاجية والتصدير, بعد أن تم تحويل النوافذ التمويلية للقطاعات الإنتاجية والسكنية إلى بنوك ربحية. . 

كانت نسب النمو مرتفعة ولكنها لم تنعكس على مستوى حياة الأردنيين وتمكينهم , فالقطاع التقني والمهني أصبح محكومًا للعمالة الوافدة , وتقلص مفهوم التعليم المهني والتقني لصالح التعليم الأكاديمي المشبع والفائض عن حاجة سوق العمل , وكان الثمن مدخرات الأردنيين وأملاكهم التي بيعت لتعليم الأبناء في الجامعات الخاصة والحكومية المخصخصة معرفيًا وماليًا صفرًا مهما تكن الآلة الحاسبة , فالرواتب متدنية هذا إن تم العثور على عمل أساسًا.. 

اليوم يجتمع صناع الرؤية الاقتصادية لمراجعتها, وعليهم النظر كثيرًا في كل ما سبق من توجهات وتوجيهات, بعد أن تم اختبار الرؤية في مرجل العمل الميداني ودخلت حيز التطبيق, وبالتالي بات تقيمها واجبًا, على أرضية فقه اقتصادي أردني يبحث عن التنمية بمعاييرها وليست عن النمو الذي قد تكون أرقامه مرتفعة لكنها محصورة بأيدي فئة قليلة, فتزداد الفجوة بين الأردنيين, وتتراجع إمكاناتهم الحياتية, فنحن اليوم أحوج ما نكون إلى فقه الاقتصاد الاجتماعي بنسخته الوطنية وليست المنسوخة.