بهدوء
مرايا – كتب: عمر كلاب
في الجدل الدائر حول الحرب بين إيران والكيان الصهيوني, ثمة عقل يتمنى هزيمة طهران للخلاص من شرورها, وكأن الكيان الصهيوني واحة أمن وسلام على المشرق العربي, والخطر الوحيد قادم من الملالي ونظامهم, الذي أثخن العواصم تحرشًا وكيانات خارجة عن السلطة المركزية, أظن هذا تقزيم لجوهر الصراع وأدواته, وحرف للبوصلة القومية والوطنية عن مقاصدها الشرعية بالمعنى السياسي وليس الفقهي.
سبب العلة وأصلها, هو الكيان الغاصب, وأصل البلاء هو الدعم اللا محدود من الغرب وسيدته واشنطن للكيان, وتوفير كل أسباب القوة والتفوق على دول الإقليم مجتمعة, وهذا لا يعني أن المؤسسة الصهيونية لم تعمل وفق مشروع طويل المدى لبقاء أسباب القوة, فالكيان الصهيوني نجح في توفير منعة اقتصادية ذاتية, فهو يسيطر على أسواق عالمية بمنتجات غاية في الضرورة, مثل تكنولوجيا المعلومات والمعدات الطبية, بالإضافة لتفوقه الزراعي والعلمي.
ومن يريد أن يقرأ جذر الصراع فعلا ويتعرف على موازين القوى,عليه المقارنة بين المعاهد العلمية والتقنية عند الكيان الغاصب, ونظيراتها المفقودة في المشرق العربي ومغربه, وبات الصراع بين حوزارت دينية ومذهبية وبين معاهد تقنية متقدمة, وبالضرورة سيكون الحسم لصالح العلم, على حساب حوزات دينية, داخلتها الشعوذة بأكثر مما داخلها العلم, حتى مع نظيراتها من الحوزات الدينية اليهودية المتشددة, فلم نسمع طوال سنوات الصراع مع الكيان عن ظهور قائد في القمر, أو تحول حجر إلى قنبلة ناسفة, وكل ما رأيناه فعلًا هو صمود أسطوري لمقاتلين ومقاومين, ولعل ما تنقله الشاشات من مشاهد في غزة تؤكد ذلك, ومن قرأ واتبع بطولات الجيش العربي في فلسطين وكتائبه الشهيدة, يتأكد أكثر.
قدمت طهران نماذج سيئة, لثورتها, بتصديرها المذهب فقط, على عكس كل الثورات السابقة, التي صدرت أفكارًا ونماذج مقاومة, وأقول صدرت من باب المقاربة فقط, فالثورات لا يتم تصديرها بل يتم استلهام تجاربها, وهكذا كان الحال, مع الثورة البلشفية وثوار فيتنام وثوار الصين, ومع ذلك جرى تصدير بعض مذاهب تلك الثورات وتحديدًا الثورة البلشفية, وبات الكومنتيرن أو المسكوب حوزة فكرية, تُلهم الكثير من الثوار, وتم تشكيل حلف عالمي لمواجهتها, أي أن الثورة الإيرانية لم تأت بجديد من حيث تصدير المذهب, قياسًا بالثورات السابقة.
لكن الفارق أن إيران صدرت مذهبًا دينيًا أمام مذهب سائد ومن نفس التربة الفكرية, وليس من نقيضها كما في الثورة البلشفية أو الشيوعية كما هو الاسم الدارج, وتحالفت أو وظفت الأنظمة الحوزات الدينية ضد الشيوعية, فيما كان شكل العلاقة في مواجهة مذهبية إيران مختلفًا نسبيًا, فثمة تكوينات عربية تشارك إيران مذهبيتها, وكانوا يقبعون في درجات متأخرة على سلم المواطنة, فنجحت إيران في جذبهم واستثمار أوجاعهم ومذهبيتهم, كما نجحت في استثمار الموقف الرسمي العربي من القضية الفلسطينية ومقاومتها لجذب أنصار لها من المذهب المقابل.
كل هذا حصل فعلًا, ولكن السؤال في لحظة الصدام التاريخي بين المشروع الإيراني والمشروع الصهيوني, هل ثمة من يفاضل؟ أظن المسألة تحتاج إلى بصيرة فقط, هذا بالنسبة لجمهور مضلل بالصراع الطائفي, ولكنه ليس كذلك بالنسبة لمحللين وسياسيين, فهو انحياز لمشروع الاحتلال وكيانه, وليس موقفًا سياسيًا أو مذهبيًا, وليس من مصلحتنا مهما بلغ حجم الخلاف مع طهران تمني هزيمتها من المشروع الصهيوني خشية من تمذهب المنطقة أو أهلها, فهناك من يطالب طهران بالاعتذار عن مواجهتها للكيان الصهيوني, وهذا غير جائز حتى لو كان صدام طهران والكيان لحسابات تهم طهران نفسها وتخدم مشروعها الذاتي, وعلينا أن نسأل أين مشروعنا قبل أن تمنى هزيمة مشروع طهران.
omarkallab@yahoo.com