لا يشعر الناس بالأمان في ليل رمضان ولا في نهاره أحيانًا في الضفة الغربية المحتلة مع تصاعد العنف والمواجهات في ظل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وفق ما يقول مدير مستشفى جنين الحكومي الطبيب وسام بكر.
فالمستشفى الواقع في مدينة جنين شمال الضفة الغربية صار على الخط الأمامي مع تصاعد عمليات جيش الاحتلال الإسرائيلي ومداهماته منذ بدء الحرب التي نشرت الدمار والموت في قطاع غزة في 7 تشرين الأول/أكتوبر.
وقال بكر الخميس إنه بدلا من تناول الإفطار مع العائلة والأصدقاء، “نحاول ألا نخرج في الليل… لأن الليل ليس آمنا… قد يداهمون المدينة في أي لحظة”.
إثر اندلاع الحرب، تصاعد العنف في الضفة الغربية المحتلة حيث استشهد مذاك 444 فلسطينيا على الأقل بنيران الجنود أو المستوطنين، بحسب السلطة الفلسطينية، واعتُقل آلاف آخرون.
وقال الطبيب بكر إنه خلال هذه الفترة “استقبل المستشفى 44 قتيلا و264 جريحا خلال مداهمات الجيش وعملياته”.
وإلى جانب الخسائر البشرية والأضرار الجسيمة والدمار الذي خلفته العمليات العسكرية المتكررة في المدينة ومخيمها، يقول السكان إن العنف جعلهم قلقين ومتوترين.
وتعد جنين ومخيمها معقلًا للفصائل الفلسطينية شمال الضفة الغربية.
– أجواء ثقيلة –
ويشعر الأهالي بثقل أجواء رمضان بشكل خاص هذا العام، ليس فقط بسبب المداهمات والإضرابات والجنازات، ولكن أيضًا في الأيام الهادئة نسبيًا، كما يقول محمد عمر(60 عاما) بائع الحلويات الذي أمضى حياته كلها في مخيم جنين للاجئين.
و اشتكى محمد عمر الذي يبيع الهريسة من قلة الزبائن، وقال مشيرا بيده إلى الشوارع القريبة “الشوارع تملأها مياه الصرف الصحي … لا يوجد ناس. الناس يبقون في منازلهم، خائفين من القصف، وليس لديهم المال لينفقوه”.
وأضاف “حتى لو أرادوا التنقل، فسيواجهون صعوبة لأن الكثير من الشوارع تضررت وصارت غير صالحة للسير بعد قيام الجرافات الإسرائيلية بتجريف البنية التحتية والطرق”.
وتعمد إسرائيل بشكل روتيني إلى هدم منازل الفلسطينيين المتهمين بتنفيذ هجمات، بحجة أن مثل هذه الإجراءات تشكل رادعًا، بينما تقول جمعيات حقوق الإنسان إن هذه السياسة ترقى إلى مستوى العقاب الجماعي.
وقال الطبيب بكر إن العنف والخوف أثرا سلباً على طاقم المستشفى وجعلا شهر رمضان ثقيلًا.
وأضاف “إنهم يعملون تحت ضغط كبير، فالضحايا يصلون في كثير من الأحيان ليلاً وهذا يمثل ضغطًا كبيرًا على أطباء الطوارئ. وهذا يجهدهم كثيرا في شهر رمضان بسبب الصوم”.
وقال بكر “أخاف ليس فقط على نفسي، بل على أطفالي أيضا”.
في الأسبوع الماضي فقط، استشهد رجلان برصاص جنود إسرائيليين في باحة المستشفى، في حين ادعى جيش الاحتلال الإسرائيلي أنه استهدف “مسلحين مشتبهًا بهما”.
وفي لقطات مخزنة على هاتف الطبيب يظهر أحدهما وهو محمود أبو الهيجاء، وكان يرتدي بنطال جينز وسترة سوداء، وهو يسقط بعد إصابته خارج قسم الطوارئ مباشرةً، وخط من الدم الأحمر على الأرض بينما كان آخرون يسحبونه بعيدًا.
وقالت فرحة أبو الهيجا عمة الشاب إنه “لم يكن مقاتلا ولا يحمل سلاحا” وأنه هرب إلى المستشفى بحثا عن الأمان.
وأظهرت لقطات جثتي الرجلين ملفوفتين براية حماس الخضراء وحول رأسيهما عصبة تحمل اسم الجناح المسلح للحركة خلال تشييعهما.
– رمضان كان مختلفاً –
وقالت العمة “نحن المسلمين نتطلع لأداء شعائرنا الدينية في شهر رمضان ولكن اليوم صار انعدام الأمان في المخيم سببا رئيسيا لتباعد الناس. هناك عائلات في المخيم فقدت أحد أبنائها وتشعر بالحزن والغضب والألم في قلوبها”.
كان الشاب مخلص تركمان يقود سيارته عائدا إلى منزله لتناول الإفطار من عمله في شركة للاتصالات، حين سمع دوي قصف نفذته مسيّرة إسرائيلية استهدفت سيارة تقلّ فلسطينيين في جنين وقتلت ثلاثة أشخاص قال الجيش إنهم “مقاتلون”.
وبدلا من أن يذهب لمنزله ليفطر، انضم الشاب البالغ 29 عاما إلى موكب الجنازة في شوارع جنين.
وقال تركمان فيما كان شباب يطلقون النار في الهواء فيما أنزل آخرون الجثامين الثلاثة في القبور التي حفرت في التربة، “لم يكن رمضان هكذا أبدا. فظيع ما يجري هنا. أعني أن يحدث قتل قبل نحو خمس دقائق من الإفطار والناس مجتمعون مع عائلاتهم بانتظار الأذان… إنه لأمر فظيع جدًا”.
وعن حضوره الجنازة قال الشاب “أردت الوقوف مع عائلاتهم”.