مرايا – عمر كُلّاب
طوال الاسابيع الماضية كانت الرهانات الاعرابية على تحولات جذرية ستطرأ على تركيبة الكونغرس الامريكي بعد الانتخابات النصفية , رغم ان السياق التاريخي لهذه الانتخابات يقول بأن الحزب الفائز في انتخابات الرئاسة يخسر في الانتخابات النصفية لأن الناخب الامريكي يُحجم عن وضع البيض كله في سلة واحدة , فالثقافة السياسية لدى صنّاع الرأي الامريكي كرّسوا على ما يبدوا هذا الامر , حتى بات سلوكا انتخابيا , وقد سمعت تحليلا لهذا الامر من شيخ التأمين وائل زعرب قبل الانتخابات وجاءت النتائج كما قال وكان الرجل يتحدث للامانة بيقينية مسنودة بالتاريخ .
فقدان الرئيس الامريكي ترامب للاغلبية في البرلمان طبيعية ويعرفها اي مراقب , لكن التضليل والتسيس حسب الرغبة في الاعلام العربي , افرز ظاهرة الغوغاء وفساد العقل الذي هو ملح البشر وذائقتهم , فكثير من الاعلام بات مسكونا بتحريف الاحداث الغربية عن سياقها التاريخي الداخلي , اتثبيت نبوءة او تكريس حلم ساكن في خلايا العقول العربية الغائبة عن المشهد الكوني ومقتصرة حضورها على الجلوس في خانة ” المفعول به ” بانتظار لحظة فارقة نتحول فيها الى قائمة المفعول معه قبل ان نصل الى صفة الفاعل .
خلال مرحلة ترقب الأعراب للنتائج , سادت رغائبهم البينية , وكأن نتائج الكونجرس مصباح علاء الدين لكل قبيلة على شكل دولة , وليست حصيلة قوى داخل المجتمع الامريكي , الذي باتت اصواته الشعبية تحسم مقاعده السياسية بدليل فوز ترامب نفسه – ولولا مهابة – لقلت ان الاصوات هناك مثل الاصوات عندنا يمكن الحصول عليها بطرود الخير او بالكاش , وهي كذلك ولك ضمن اطار مؤسسي يغسل العقل اولا وفق حسابات المصلحة الداخلية الفردية , فكل ناخب له احلامه وطلباته .
التحليل العربي لنتائج الانتخابات النصفية للكونجرس , كان محصورا بقضية البث المباشر والسيطرة الاعلامية لغسل الادمغة لصالح صراع القبائل على دم الخاشقجي , الذي تم سحل المئات قبله وسيتم سحل المئات بعده دون حظوة بخبر صغير في صفحات صحف القبائل او بصورة على فضائيات النفط , طبعا هذا لا يعني التقليل من فاجعة مقتل الرجل بطريقة همجية وعدم حصوله على قبر يزوره الاهل حتى اللحظة , فتطور اداة القمع الأعرابية اسقطت خطوتين من خطوات الوفاة , الجنازة والقبر , ولعل هذا يكون اسهاما عربيا خالصا في الالفية الجديدة التي انقضى ربعها الاول دون اي اسهام عربي .
لا احاول افساد فرحة المسكونين بالاصول والمنابت والاعراق بعد وصول سيدتين مسلمتين لاول مرة الى مقاعد الكونجرس ونسبة اصحاب الاصول العربية والاسلامية في المجالس الامريكية , ولكني ارجو عدم تضخيم الامر كثيرا فهم بالنهاية اعضاء في احزاب امريكية لها موقف واضح من القضايا العربية والفلسطينية على وجه التحديد , ولا تكفي صورة احدهم بالعلم الفلسطيني او بغطاء الرأس لمنحنا الثقة بأننا اخترقنا تلك المجالس او ان الزحف المقدس قد بدأ كما يحلو للباحثين عن وهم النصر او التمدد الديني والعرقي في بلاد الفرنجة .
الشارع الامريكي حسم الانتخابات حسب مصالحه , وليس حسب اجنداتنا المزعومة , فكل دم يسيل هنا يتحول الى دولارات هناك , وكل فاجعة تحدث هنا , تنعكس ارباحا هناك , وستبقى العجلة تسير هناك لانها متوقفة هنا , والى ان تدور عجلة العرب نحو الحضارة والتقدم والعلم علينا عدم المراهنة على اي انتخابات نصفية او كاملة , فنحن حتى اللحظة لم نعرف الانتخاب حتى نغرق في تحليل مخرجاتها .