مرايا – بقلم: عمر كلاب
ذات حوار مع صديق اكاديمي, قلت له انت ليبرالي, فغضب وقال انا ديمقراطي ولست ليبراليـ والفرق شاسع طبعا, قبلت اجابته، وذات مرة كتبت ناقدا لمشروع له، فكان غضبه عارما، وصدره في النقد اضيق من صدر يميني محافظ، وحتى هذه اللحظة ورغم صداقتنا، ما زال يردد نقدي له، بوجع مشفوع بشتيمة عذبة، وذات حوار مع ليبرالي، قلت له ان برنامجكم الاقتصادي يخلو من لمسة اجتماعية، وهو اقرب الى الرأسمالية منه الى البرامج الاقتصادية التي تراعي المجتمع، ومن يومها وهو يضعني على قائمة سوداء.
اسوق هذه المقدمة، ونحن نرى ضيق الصدر على الرأي الآخر، من منظرى الانفتاح والتدريب على الفكر النقدي، والاهم من الموكل اليهم عبر برامج التمويل المحلي والاجنبي، تدريب الشباب وغيرهم، على السلوك الديمقراطي، والفكر النقدي، ووعدم تجريم وتكفير المخالف او الآخر، فهم شموليون بأكثر مما تفترض الفكرة الشمولية، ويمينيون بأكثر من حاجة اليمين الى التفرد بالسلطة، وعدم التشاركية مع احد، لذلك نرى ان المجتمع وفي طبقاته العليا، مسكون بامراض الانتلجسيا الفوقية، ولا ينجح اي مشروع اصلاح سياسي او اجتماعي او اقتصادي.
تعودنا سابقا، على سلوك التيارات الشمولية، التي تطعن المخالف بالاوصاف والسمات الطازجة والمعلبة، ” كافر، خائن، منبطح، سحيج ومخبر وشبيح وما تيسر من القاب وصفات “وكنا نلوذ بالتيارات الديمقراطية والليبرالية كي تحقق تقدما، في هذا المسار، اي مسار قبول الآخر، لكننا اكتشفنا بأنهم اكثر شراسة وسطوة من الشموليين، وبمراجعة بسيطة لماضيهم السياسي والفكري، تكتشف ان جميع منظري الانفتاح الفكري والتدريب السياسي والديمقراطي، هم من ابناء الفكر الشمولي سواء الاسلامي اليمني، او اليسار التقليدي، فلذلك وجبت المراجعة والنقد.
تجلت هذه الصورة اكثر, ونحن نراقب ولادة تيارات مدنية، على شكل احزاب وجمعيات، وما تسمعه من اطراف الخلاف داخل الاحزاب المدنية, يقول بالفم الملآن اننا امام احزاب مدنية، ربما تكون رجعيتها الفكرية، اكثر من اليمين المحافظ، الذي نفهم بنيته الفردانية والشخصية، فهو كفكر قائم على تأبيد السلطة بيد الفرد، ويغدق الفرد على مريديه بما يكفي لديمومة التفافهم حوله، اما ان نرى احزابا مدنية تتراشق بهذه التهم, وتتنابز بهذه الالقاب، فهذا غير مسبوق ربما، فمن اقدم على تشكيل الاحزاب المدنية، هم ايضا من مخلفات الاحزاب الشمولية، والذين وجدوا في اليسار الاوروبي، منفسا للتمويل والتقدم الاجتماعي.
تعاني الحياة العامة اليوم, من رفض الاخر، وتسمع كل يوم نداءات واستغاثات، عن ضيق صدر السلطة، ولكن يبدو ان الازمة في السلطة والبديل، كما يقول المنهج الفكري التقدمي، فالمعارضة وجه آخر للسلطة، وما نعيشه من حالة انكار للاخر ومن حالة طمس له, لن تقودنا الى مستقبل سياسي مقبول، بل سنبقى نتداور المناصب والوجوه في السلطة والمعارضة، وسيبقى حزب الكنبة الرافض للمشاركة في اي عملية اصلاح يتسع ويتمدد، وهو يرى السلطة تستنسخ وجوهها وتُعيد تدويرها، وبالمقابل تستنسخ التيارات السياسية المعارضة نفس الوجوه دون ادنى مراجعة.
اختم بأن الازمة في الفردية والتوريث والزبائنية، ويذكر زملاء التقينا مع تجمع لمؤسسات مجتمع مدني، تتحدث عن العدالة وتكافؤ الفرص وتنتقد الواقع والسلطة بكل شراسة، وعند استعراض اسماء الحضور، وجدنا انها مؤسسات عائلية بالكامل, وعلى غرار أخي وابن اخي، ولذلك لا نستغرب ادارة الظهر من المواطن لكل اشكال العمل العام، والخشية ان يدير المواطن لاحقا ظهره للدولة، فمنسوب الاحباط اعلى مما نعتقد بكثير.