بهدوء
مرايا – كتب: عمر كلاب
مع انزياح مرحلة ما يسمى بالربيع العربي, وتكشف التنظيمات الإسلاموية, بشقيها السني والشيعي, أمام الرأي العام, تارة من خلال وصول بعضها إلى الحكم في بعض الأقطار, أو من خلال احتلالها حضورًا في المشهد الوطني لأقطار أخرى, حتى باتت تشكل كيانات موازية للدولة, والجميع يرقب نهاية هذه الحالة, فخرجت تيارات الإسلام السياسي من المشهد العربي, في مصر والمغرب, وتأكلت سمعة الحركات الإسلاموية في دول الاعتدال وصولًا إلى الحظر في بعض الأقطار, وكان الجميع يرقب مراجعات أو قراءات للمرحلة من قبل تيار الإسلام السياسي بنسخته السنية, التي كانت أكبر الخاسرين, أمام المذهب الثاني, الذي عاش لحظات زهو وانتصار, في أماكن نفوذه.
جاء السابع من أكتوبر, ليضخ الحياة في أوصال التيار الإسلاموي بنسختيه, وحاولت كل التيارات التحاقها بركب الحدث, إما بالاسناد العسكري” حزب الله والحوثي”, أو بالدعم المالي واللوجستي ” إيران”, أو بالاسناد الشارعي ” الأردن”, ولا أظن عقلًا راهن على امتداد أمد حرب الإبادة, لعامين متصلين, ولا أظن أحدًا راهن على حجم الدمار والإبادة التي خلفتها الحرب,وتوقعت تيارات الإسلام السياسي, نهاية مظفرة بهدنة طويلة على الأقل, إن لم تكن دائمة, وجرى إعداد البيانات الشعبية لذلك, لكن الحرب لم تنتهي والدعم العسكري للكيان الصهيوني بقي قويًا, ولم يتفاجأ أحد بالموقف العربي السلبي, إلا من كان في عقله خلل أو اختلال, فالمسار التطبيعي كان في أعلى حالاته, وكل ما أنتجته الحرب, إخفاء حركته وليس توقفها.
لم يراجع أحد من تيار الإسلام السياسي مرحلة الربيع العربي, كما أسلفت, ودخلوا مرحلة أكتوبر بنفس العقل, إلى أن داهمت العقل الإسلاموي, حالات صدمة من العيار الثقيل, بسقوط نظام الأسد في سورية, وتآكل حزب الله بفعل الضربات الصهيونية, وتوجيه ضربة إلى إيران بعد كل ذلك, فتشارك العقل الشيعي العقل السني في الإنكار وعدم المراجعة, وظل الرهان محصورًا في المقاومة في غزة, علها تجبر بعض الضرر, دون التفاتة إلى أن الحواضن كلها تعاني, وعليه ستعاني حركة المقاومة في غزة, ولن تنجح في مغادرة مربع الهدنة المؤقتة أو الدائمة بأحسن الأحوال, لتواجه بعدها اليوم الأصعب , أي اليوم الأول بعد الحرب, وسؤاله الأخطر, هل تساوي النتائج المتحصلة, الكلف المدفوعة؟ وما مصير فلسطين وقضيتها وغزة وأهلها بعد الدمار والإبادة؟
لا أظن أحدًا يملك الإجابة, في ظل السعار الذي تعيشه الصهيونية وكيانها المسخ, وداعميها في العالم بالسلاح والمال, لتنفيذ طريق التوابل, وحشر الصين في معازل عن المياه والطاقة, لأن هذا هو الهدف الأول لطريق التوابل, بالمقابل لم تجلس حركات الإسلام السياسي في خلوة لتراجع ذاتها, وظرفها الإقليمي والمحلي, وبدأت تخرج تسريبات من مراكز القرار فيها, تتبادل التلاوم, وبدأنا نسمع عن تيار سلفي جهادي ممسك بالقرار العسكري, وتيار آخر ممسك بالقرار السياسي لا يقل تشددًا عن السلفية الجهادية, وأن المقاومة في غزة هي آخر معاقل الجماعة العالمية, وإذا غادرت حماس قطاع غزة، فهذا يعني سقوط المشروع الإخواني نهائيًا، ولن تكون له عودة”, بل وصل الأمر إلى ما هو أخطر, نقلًا عن مصادر وصفها المختص بالحركات الإسلامية ماهر فرغلي, بالمطلعة وقريبة من دوائر صنع القرار داخل الحركة، عن وجود تحرك سابق لإقالة الشهيد يحيى السنوار من قيادة غزة قبل هجوم 7 أكتوبر، حيث كان من المقرر استبداله بشخص آخر قادم من تركيا، على أن يُترك السنوار للجناح العسكري فقط، مضيفًا: «السنوار شعر بتلك التحركات، وأبلغ المقربين منه – وفقًا للمصادر – أنه لن يسلّم غزة إلا كأكوام من التراب، وهو ما يفسّر اتخاذه قرار تنفيذ هجوم 7 أكتوبر قبل وصول خليفته بيوم واحد.
تسريبات صادمة تكشف مدى الأزمة التي يعيشها التيار, ولا تقل أزمة النسخة الثانية عن سابقتها, فهي عاشت فترة استرخاء عالمية, بعد وسم الإسلام السني بالإرهاب, وحظيت بسكوت غربي, قبل أن تقع في نفس التهمة وتخسر معاقلها, وكل هذا يشي أن الإسلام السياسي لم يقرأ المرحلة ولم يراجع التغير الكوني والعربي تاليًا, مما يؤشر أنه سيعيش مرحلة افول, ما لم يسارع إلى تغيير وتطوير أدواته الوطنية والخروج من أوهامه العالمية..