بهدوء
عمر كلاب
ليس صدفة ان شعار العدل كان الميزان, الذي اعتمده القضاء شعارا له, فالقضاء دون غيره من المؤسسات, القادر على تحقيق الطمأنينة للمواطن, في نزاعاته الشخصية والحقوقية, او في صراعاته مع السلطة, وكلما استقر القضاء على العدل, كلما ارتفعت قيمة الدولة, وارتفع حضورها الداخلي والخارجي, وتأكيدا لا ظنا, لو كان هناك فى تكوين السلطة الفلسطينية مكان لمحكمة دستورية عليا يحترمها الجميع، أو ما يشبهها لفصلت فى الكثير من الخلافات بين فتح (التى كان منها الرئاسة)، وحماس (التى كان منها المجلس التشريعي), ولما وصلنا الى الفتنة والفرقة والانقلابات.
واستعير مثالا من دولة الشيطان الاكبر, الولايات المتحدة الامريكية, فى سنة 2000 كانت هناك انتخابات فى أمريكا تقول كل مؤشراتها إن آل جور، قد حصل فيها على أغلبية أصوات الأفراد وأن عملية العد اليدوي فى ولاية فلوريدا, كانت تعطي له فرصة حقيقية للفوز تحت حماية حكم قضائي من المحكمة العليا فى فلوريدا، حتى جاء حكم المحكمة الاتحادية العليا فى واشنطن ليوقف عملية إعادة الفرز وتعلن جورج بوش رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية, وحين حكمت المحكمة العليا فى واشنطن، خرج آل جور على أنصاره ليقول: أختلف تماماً مع حكم المحكمة العليا، وأعتقد أنه خطأ، ومع ذلك أنا أحترمه وسأنصاع إليه وجورج بوش الابن هو رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وهو رئيسي، وكان بكاء أنصاره وحزنهم أكبر من أن يوصف، لكنه حكم القضاء فى مجتمع يحترم القضاء.
لدينا في الاردن من القصص المشرفة للقضاء, ليس اولها حكم المحكمة ببراءة من تم اتهامهم بمحاولة اغتيال الراحل الحسين رحمه الله, الى سلوك القضاة الاوائل, الذين بنوا مدماك العدل ونزاهة القضاء, فثمة من رفض ان يفتح شهادة تقدير دولية الا بعد ان غادر موقعه, حتى لا تؤثر فيه او عليه, وثمة حكايا كثيرة تروى عن نزاهة قضاتنا ومفهومهم لهذا المنصب, ولا اظن ان فقه القضاء تغير او نزاهته, رغم كل الظروف التي مررنا فيها, لكن ثمة تشريعات تحد من من اليد القضائية, مثل قانون السير الجديد او الضغط الكبير على المحاكم وتحديدا دائرة التنفيذ, التي تشكو من ضغط المراجعين ونقص القضاة والموظفين.
الاسبوع الفائت قادتني ظروف الى دائرة التنفيذ, وهي جزء قضائي مهم, يتعلق باملاك وحقوق العباد, ولا يمكن ان يتخيل عقل بشري, حجم الضغط على هذا الجزء الهام من القضاء, تكدس هائل للمحامين والمراجعين, ليس بسبب خلل في الاداء, لكن بسبب قلة الموارد البشرية, وطبعا لا يمكن ان يجلس الصحفي او الكاتب هادئا, فسألت عن عدد القضاة, فأجابني موظف بانهم خمس قضاة, بعد ان كانوا عشرة.
ورغم انتهاء احكام قانون الدفاع, الذي زاد من عدد القضايا, تم التخفيض, وثمة تفاصيل مرهقة عن الواقع والحال, بموجب قانون التنفيذ الجديد, وحجم القضايا الناشئة عن وقف قانون الدفاع, وكلها تستدعي ان يتم رفع كفاءة هذا المرفق الهام, من خلال تزويده بالقضاة والموظفين, الذين يتعاملون مع ملفات في غاية الحساسية, وقد يقعوا في الخطأ بفعل هذا الضغط الهائل, وخطأ التنفيذ لا سمح الله ينشئ واقعا قد يبطل حقا او يحق باطل.
وقفت عند التنفيذ, للوصول الى مناقشة ظروف القضاة وواقع عملهم, الذي يقرب من المعجزة فعلا, فكم القضايا هائل وتعداد القضاة قليل امام حجم الزيادة, لذلك تطول اوقات المحاكمة, ويضيق صبر الناس, مما ينعكس سلبا على كثير من شؤون الحياة, بل وينعكس سلبا على الاستثمار وتحصيل الحقوق, واذا اردنا واقعا مختلفا وتحديثا وتطويرا للحياة العامة لا بد من قضاء عادل ونزيه, يعيش افراده حياة مريحة بل مرفهة, دون ضغوط الحياة او اعباء العمل المضني.
omarkallab@yahoo.com