بهدوء
عمر كلاب
أظن ومثلي كثيرون, اننا لم نتعرف بعد, على العقل السعودي, الذي قاد المجتمع الى انفتاح مباغت وملفت, رغم كل احاديث الساسة الرقيقة في البلدين, عن العلاقات ووشائجها, من الجوار الى المصاهرة الى باقي الصفات الجاهزة والتفصيل, فالمملكة الجارة, انتقلت الى مستويات متقدمة سياسيا واجتماعيا, وغادرت عقلية الكمون الوطني, الى فضاء الاشتباك بل وربما الى التحرش مرات, ولم نسمع من الاشقاء ما يغري بالكتابة او التحليل, بحكم ان المعلومة هي اول التحليل, وما قدمه الدكتور عبد العزيز بن عثمان بن صقر, في محاضرته التي حملت عنوان ” محورية العلاقة الاردنية في ظل الازمات الاقليمية” يُغري بالكتابة, ليس بحكم عنوان الندوة الذكي, بل بحكم مقاربات المحاضر الذكية لإيصال رسائل جديدة عن العقل السعودي الجديد.
المحاضر لمن يجهله, هو رئيس مركز الخليج للأبحاث الغني عن التعريف, ومن مقارباته , تستطيع ان تلتقط ان الرجل قريب من العهد الجديد في السعودية, وقريب جدا من حلقات صنع القرار فيها, فهو يتحدث بقين معرفي منهجي, لكنه يقين معلوماتي ايضا, وهو متصل العلاقة, بمعنى ان علاقته مع العهد الحاكم القديم كانت بنفس مستوى القُرب والمعرفة, لذا يكتسب حديثه اهمية مضافة, والرجل قال الكثير من المسكوت عنه, بلغة ايحائية, تحتاج الى تقشير الكلمات وتقطيعها قبل اكلها تمهيدا للهضم, تحديدا في شق العلاقات الاردنية – السعودية, فهو لا ينكر انها ليست بالمستوى المأمول شعبيا, لكنه لا ينكر ان ثمة شقوق يجب اغلاقها وترميمها, فالاندفاع الذي صاحب العهد الجديد في السعودية يحتاج الى مراجعة بجرأة, والمنهج الاردني القائم على ان السعودية دفتر شيكات مفتوح يجب ان يتغير ايضا.
تفكيك شيفرة حديث بن صقر, يبدا برفع الحصانة عن النص الاكاديمي الذي حاول واجتهد في الحفاظ عليه خلال حديثه, فهو ابتدأ بمقاربة ملفتة, ومخالفة للتوقع, بشكر الحوثيين في اليمن, على ايصال الرسائل المهمة للغرب وللكيان الصهيوني, حيال الموقف العربي من حرب الابادة على غزة, قبل ان يطلبهم التوقف, بحكم وصول الرسالة, وضرورة عدم رفع الكلفة على الدول المشاطئة للبحر الاحمر, اي مصر والسعودية واليمن نفسها والاردن وغيرهم, وان باب المندب لا يجوز ان يُغلق, فهو شريان عالمي ل 16% من التجارة العالمية, قبل ان يُنهي بأن هذه ايضا رسالة ايرانية خشنة, لأن التهديد البحري قليل الكلفة لكنه بالغ الأثر, وهنا بدأ بقراءة ايران ومشروعها المقلق للسعودية والاقليم, فهي تلعب بأوراق خارجية لتنفيذ اجندتها, وتريد علاقات مع حركات ميليشياتية شيعية او غيرها, ولا تريد علاقات مع الدول.
اذن, القلق السعودي من ايران وحركتها في الاقليم, ما زال قائما رغم تبادل السفراء والضمانة الصينية بعدم العبث الايراني في الداخل الخليجي برمته والسعودي بشكل خاص, وهذا يفتح باب الاسترسال في فهم علاقات السعودية المتنوعة اليوم مع الاطراف الفاعلة عالميا, اميركا, الصين وروسيا, الذي يجيب عليه ابن صقر بالقول: ان السعودية مع تعدد القطبية, لكن ليس على نموذج الحرب الباردة السابقة, بل على مبدأ التنوع الاقتصادي من جهة والانفتاح على كل القوى, رغم الافضلية النسبية للولايات المتحدة داخل العقل السعودي, لانها القوة الوحيدة التي تتحرك عسكريا, والتي تمتلك قواعد في الخليج والمنطقة, بعكس الصين وروسيا, فهو يرسل اشارات بأن العلاقات مع القوى العظمى مدروسة, وتُقاس بموازين دقيقة, لدولة لا تنكر رغبتها في قيادة الاقليم, لكن ليس بالاندفاعية السابقة التي ادخلت السعودية في ازمات مع الجوار الخليجي والعربي, بل بتكنيك جديد يقوم على التهدأة بتصفير السخونة وتبريد التوربينات قبل الانطلاق من جديد.
متعمدا, في الكتابة, أخرت ما يستوجب التقديم, واعني عزة وحرب الابادة عليها والموقف السعودي من التطبيع مع الكيان الصهيوني, الذي حسم محاضرنا الجدل حوله, بأنه مربوط بحل القضية الفلسطينية بما يرضاه الفلسطينيون, سواء دولة على حدود الرابع من حزيران او غيرها من حدود ولن يكون هناك تطبيع سعودي مع الكيان الصهيوني قبل ذلك, مستخدما تعابيرا قومية خالصة في وصف غزة ومقاومتها وشعبها, ولا ينفي ان ثمة من اصطاد في الموقف السعودي من هذه البوابة, لكنه لا ينف ان خطوات السعودية الهادئة سمحت بمثل هذه الاصطيادات, تحديدا وان اكثر من سائل قد اشار الى ان الموقف السعودي من الحرب على غزة كان باردا نسبيا بما لا يليق بالسعودية وثقلها وبما لا يخدم اللحظة السعودية الراهنة.
المحاضر صعب المراس, ويتقن مهارة اللاجابة, الا لمن يقرأ بين السطور, لذلك كان منفتحا جدا, على اقتراح كاتب المقال بضرورة ان يكون هناك لقاءات على مستوى مراكز التفكير, لاعداد ورقة بيضاء يطرح كل طرف هواجسه قبل ان يتم رفعها الى المستوى السياسي في البلدين, مما يؤكد ما ذهب اليه المقال في بداياته عن ضرورة اعادة التفكير في العلاقة سياسيا قبل اقتصاديا, فما زال المسكوت عنه في العلاقة الاردنية – السعودية اكثر من المحكي او المُقال, مع واجب الشكر لمركز مشورة للدراسات والابحاث والعزيز مالك عثامنة على هذه الفرصة, ولنا حديث ووقفة اخرى مع الماضرة والمحاضر.
omarkallab@yahoo.com
نقلا عن الانباط