مرايا – عمر كلاب

اذا كانت القاعدة الفلسطينية العامة قد استقرت على ان ما قبل السابع من اكتوبر ليس كما قبله، فإن قراءة المشهد بعين هذه المقولة هي الانجع والاكثر تفسيرا لقادم الايام والمبادرات والحلول، بعد ان بدأت طاولة الحلول تشهد مبادرات معلنة واخرى مكتومة، ولعل المكتوم منها اكثر جدارة بالعناية والمتابعة، رغم شحّ المعلومات الواردة تحديدا من الاتحاد الاوروبي، الذي تشهد عواصمه لقاءات واسعة من سراييفو الى اوسلو مرورا بهلسنكي ووارسو.

ولنبدأ من سراييفوا التي شهدت لقاءا كتوما جدا بين قيادات من حركة حماس وفريق سعودي وامريكي، في بواكير الحرب على غزة، وتحديدا في التاسع من اكتوبر كما يقول المصدر، وابدت السعودية استعداها لرفع الحركة عن قوائم الحظر مقابل التزام حمساوي بدور سعودي في ملفي المصالحة وانهاء الحرب وعدم الشغب على الدور السعودي الاقليمي القادم وتحديدا، اذا تصادمت الادوار السعودية مع تركيا وايران، مع ضرورة ان تكون قطر اقل حضورا في المشهد.

الرسالة السعودية، لم تكن سعودية بالكامل كما يبدو، كانت ايضاً بخصوص دور الامارة الصغيرة في الخليج، قطر، اذ يبدو انها رسالة امريكية ايضا، فقد تم ايصال رسالة قاسية الى قطر بحسب مصدر اوروبي ديبلوماسي، اكد ان واشنطن ابلغت قطر ان زمن التسامح والسماح في علاقة مزدوجة مع حماس قد انتهى، وعلى الدوحة ان تبدأ الضغط وكرسالة اولية تم دعوة الدوحة بمذكرة جلب الى عواصم اوروبية لحوارات الهدنة و التهدئة ولم تعد الوفود تمارس الحجيج الى الدوحة.

كل ما سبق تمهيد للوصول الى مشهدية اللحظة التي جرى فيها اطلاق اول مشروع سياسي لوقف الحرب على غزة، التي احدثت الفوارق الكبرى، في الرأي العام الدولي الذي انتقل من خانة الانحياز الكامل الى خانة اقل تطرفا او الى خانة الاعتدال في عواصم متعددة اوروبية اقصد، وهذا ما جعل من مصر الدولة القادرة على اطلاق مبادرة ثلاثية المراحل والابعاد، لا يبدو انها حصيلة عقل ديبلوماسي مصري خالص، بل جرى توضيبها واعدادها بعد قراءة مع عواصم الفعل العالمية وحوارات ساخنة مع حماس والجهاد الاسلامي، وهي اول مبادرة شاملة لوقف الصراع وليس الحرب، على اسس ما بعد السابع من اكتوبر.

صحيح ان التفاعل مع المبادرة المصرية لم يبدأ بعد على مستويات متقدمة، لكنها هي الارضية التي يجري عليها التفاوض والتحسينات او التشذيبات، فكل ما سبق كان مناورات سياسية، وجاء اوان الحسم، وبالتالي من اراد ان يعرف القادم فإن المبادرة المصرية ارضية جيدة لذلك، فهي تتحدث عن هدنة حربية، ثم حوار فلسطيني داخلي لانضاج مصالحة او توحيد فلسطيني، ثم الدخول في مفاوضات الاسرى التي ستكشف شكل القادم فلسطينيا، سواء على مستوى القيادة الفلسطينية الجديدة او الحدود المقترحة والمسموحة للدولة الفلسطينية.

المبادرة المصرية وهو اسم اولي، ستتحول الى مشروع اذا ما تم ادخال مجموعة عوامل اليها، على غرار دول مجموعة الاتصال التي تشكلت كمخرج من مخرجات القمة العربية الاسلامية، من حيث تبنيها، واذا ما اعلنت الولايات المتحدة والرباعية الدولية قبولها ودعمها، واذا ما ازالت مصر بعد الشكوك والضبابية حولها، مثل مرجعية حكومة التكنوقراط الفلسطينية، هل هي السلطة ام منظمة التحرير الفلسطينية بصيغتها القائمة او القادمة، وما هي الضمانات للانتقال من مرحلة الى اخرى ومن هي الدول او الدولة الضامنة، وما هو الموقف الاسرائيلي منها، فالتسريبات الاولى تقول ان مرحلتها الاولى مقبولة جدا وهي الهدنة الممزوجة بتبادل اسرى على النمط السابق.

المبادرة المصرية اقل من مشروع واعلى من مقترح، لكنها ايضا قاعدة تستوجب الربط مع التسريبات الاوروبية حصرا، والتي تم نقاشها في مؤتمر المنامة الاخير، الذي يناقش بالعادة كل الملفات الساخنة، وسط حضور من العيار الثقيل، فالحديث هناك، كان عن دولة فلسطينية على حدود العام 1967، لاحظوا الفرق وليس على حدود 4/6/1967، وهذا تطور لافت بتت تتحدث به معظم عواصم الفعل الغربي حتى واشنطن التي تقول عن دولة فلسطينية بجوار اسرائيل على حدود العام 1967، لكن لا احد يتحدث عن الرابع من حزيران من ذلك العام.

كذلك شكل السلطة القادمة وهل هي اداة سياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية المظلة الشرعية للشعب الفلسطيني، طبعا بعد استكمال بنائها على قاعدة الكل الفلسطيني، بما فيها حماس والجهاد، وهذا ما ستكشفه طبيعة واسماء الاسرى المفرج عنهم، فكل اسم له دلالته، فحركة حماس كشفت من خلال اصرارها على ثلاثي القيادة الثقيل” مروان البرغوثي واحمد سعدات وعبد الله البرغوثي” انها تتحدث عن الكل الفلسطيني، وترى احقيتها في قيادة منظمة التحرير الفلسطينية بعد ان دفعت ضريبة الدم الفلسطيني، ويرأس السلطة من تراه ضمن مشروعها الفلسطيني وليس ضمن المشروع المضاد؟

فلسطينيا ثمة فوارق وتناقضات تفوق ربما التناقض مع الاحتلال الاسرائيلي، فالسلطة هرمت وعجزت عن انتاج اي افق فلسطيني، واظنها بشكلها الحالي وقيادتها القائمة خارج السياق الفلسطيني، وحركة فتح تسعى الى التخلص من ارتباطها بالسلطة، وبالتالي امكانية ان تعود الى الحاضنة الفلسطينية كحركة مقاومة تنافس وتتشارك مع حماس، التي تملك اليوم مفتاح الحسم، وقيادة الميدان حصرا هي الحاسمة، واظنها اميل الى تعديلات او تحسينات على المبادرة المصرية، فالحركة انجزت ما عليها من مقاومة ورفع كلفة الاحتلال، ولكنها لن تفاوض وهذا ليس دورها ايضا، لكن من يفاوض عليه الاستماع والمسير وفق شروطها واشتراطاتها، وما رشح عن موقفها حتى اللحظة يتحدث عن ترتيب اولويات وليس رفضا كاملا، فوقف العدوان اولا ثم السير في التفاصيل هو المطلب، ولا اظن ان هذا سيشكل ازمة تنهي المبادرة او تدفنها.

السيناريوهات المطروحة حتى اللحظة قليلة، لكن المبادرة المصرية كشفت المقبول مرحليا، بانتظار مفاجأة من العيار الثقيل تحدثها المقاومة، او لا سمح الله ان تحسم دولة الاحتلال الحرب وهذا مستبعد جدا، فلدى المقاومة ما يكفى لرفع كلفة الاحتلال وانجاز المطلوب، وهذا نصر مهم، فليس المطلوب من المقاومة دحر الاحتلال بل رفع كلفته  وقد فعلت.