عمر كلاب

اليوم هو الغد الذي كنا نخشاه بالامس, ذلك استهلال لمراجعة احاديث العيد، التي انغمست في معظمها بالتشكيك والمداورة, حول منظومة الاصلاح الشاملة التي اطلقها الملك ورعاها, بعضها سار وانتهى وبعضها يسير بتباطؤ وبعضها يتعثر لاسباب ذاتية وموضوعية, فالاصلاح السياسي- الذي قد يرتضيه البعض بيقين او بتردد- سار واصبح واقعا قانونيا ودستوريا, وعلى المؤيدين سرعة التحضير والاندماج, وعلى المترددين ايضا سرعة الاندماج ومحاولة توسيع المسافة المطلوبة في الاصلاح وحتى تغيير بنيتها وهيكلها عبر المسار الدستوري, فهذه نقطة انطلاق وليست ?هاية المسيرة.

الاصلاح الاداري, يسير بطيئا نوعا ما, اما لحسابات قوى الشد العكسي, التي تحاول الامساك بكل مكاسبها, فالواقع الراهن وشكل الخدمة والادارة الحاليين, هما النموذج المطلوب, لتحقيق مكاسب تلك الفئة, واما لصعوبة السير في هذا المجال المربوط والمرتبط, بالموارد البشرية, وضرورة الموائمة بين اسباب الرزق وحاجة التجديث والتطوير, فليس سهلا التخلي اليوم عن موظف واحد, فما بالك بجيش من المترهلين والكسولين وغير المدربين, الذين لم يعرفوا شكلا عادلا من اشكال المحاسبة والترقية على حد سواء, وفجأة نطلب منهم ان يكونوا نموذجا.

المشكلة الاعمق, في هذا المجال اننا سرنا في درب شائك ومعقد, ودخلت فيه حسابات المنفعة والشخصنة, في أسسه وثوابته, فالغاء وزارة او استحداث وزارة, لم يكن بمجمله مبني على اسس الحاجة والمنفعة, بقدر ما كان الجانب الشخصي حاضرا, لارضاءات غرائزية لشارع يستكثر عدد اركان الحكومة, او تصفية لحسابات مع فئة او اشخاص, ولعل الغاء وزارة العمل نموذجا لهذا الامر, فيما جاءت وزارة الاتصال الحكومي ملبية لجوع الشارع الاردني للتواصل, ولذلك جاءت خطوة الحكومة الذكية بتقديري الشخصي, بطرحها لحوار مستقل بعد حوار شامل عن خطة تطوير القطاع ?لعام بمجملها.

واذا كان الاصلاح السياسي هو ام الاصلاحات وجوهرها, فإن الاصلاح الاقتصادي هو الاكثر طلبا في السوق الاردني العام, فمعيشة المواطن ستحكم بالضرورة شكل انحيازاته السياسية والاجتماعية, وترفع عنه استبداد الحاجة, الذي هو اخطر اشكال الاستبداد, وهو الذي اخضع البعض للمال الاسود في خياراتهم الانتخابية, فاستبداد الحاجة, انجح المال الاسود والخيارات الضيقة, مناطقيا او عشائريا, ورؤية الاصلاح الجديدة تعاني من اشكالية منهجية, حيث ثمة فجوة بين نبُل الفكرة, وبين امكانية تنفيذها في مكان مدهوك باليومي, وتدبير الرواتب, وتحسين الخد?ة وسط ضائقة مالية اقليمية وعالمية وليست محلية فقط.

اليوم, الذي هو الغد الذي كنا نخشاه بالامس, عمره الحقيقي, عام واحد على ابعد تقدير, وعلى مسننات الدولة وتروسها ان تعمل بتناغم وتوافق وطني عام, حتى ياتي العام القادم بما يحقق الامل, ويجود الخيارات, فبرلمان القانون الجديد, سيكون محكوما لقدرة ومقدرة مسننات الدولة على العمل التشاركي, وليس عمل كل مسنن لوحده, ولا بد من اطار مرجعي موحد, قادر على لظم المخرجات الثلاث في مسار متسق, واظن خلية رئيسة للقيام بهذا الامر باتت واجبة, خلية صغيرة لا تتجاوز عدد الاصابع الواحدة, من ذوات اصحاب الخبرة, قادرة على ذلك, فنحن لن نخترع?العجلة, وتجربة نجاح دول اسيا وبعض دول امريكا الجنوبية واضحة لمن يريد ان يقرأ.

omarkallab@yahoo.com