مرايا – كتب : عمر كلاب

لا تسجل الذاكرة العربية قمة فارقة منذ العام 1987 المنعقدة في عمان, والتي عرفت بقمة الوفاق والاتفاق, إلا قمة جدة المنعقدة قبل ايام, قمة القرن الماضي شهدت عودة مصر الى الجامعة العربية, وقمة جدة شهدت عودة سورية الى الجامعة, مع مراعاة فوارق المواقيت والاسباب, لكن ما يسجل لقمة جدة ان النجاح كان متوقعا قبل القمة, ومحسوبا له الحساب الاكبر, رغم ما اعترى قمة جدة من ملاحظات مثل صمت الامارات وقطر وعتب الجزائر, لكنها ملاحظات لم تسحب من القمة دسمها, وملامستها لنجاح مفقود منذ عقود, في اروقة الجامعة العربية.

بالضرورة كان للتطور الكبير في المواقف السعودية حيال ازمات الاقليم دور في النجاح, فالسعودية دخلت في طور سياسي جديد, مفاده توظيف الامكانات الاقتصادية لصالح الدولة الوطنية السعودية, فبدات بتصفير مشاكلها مع الاقليم, والتي انعكست على دول التحالف او ما يسمى بدول الاعتدال, التي خاضت حروب السعودية الصامتة او الديبلوماسية او العسكرية, فرأينا كيف حملت السعودية مخرجات لقاء عمان حيال الازمة السورية ونقلته الى جدة قبل القمة, وجاء الزلزال الذي سارع في تطور الاحداث حيال الملف السوري, واسرع في عودة سورية الى الجامعة العرب?ة على مقياس ريختر, فنجحت عمان في الاعداد واكملت السعودية بثقلها الانجاز.

هذا الملف, واعني الملف السوري, كان علامة فارقة في تظهير العلاقات الاردنية – السعودية الدافئة الى العلن, فرأينا حميمة اللقاء الملكي مع ولي العهد السعودي, ودفء استقبال ابن سلمان لولي العهد الاردني الامير الحسين, بل وكسر البروتكول بالصورة والمرافقة, فالسعودية سجلت للديبلوماسية الاردنية تحضيرها واعدادها المتقن لملف عودة سورية الى القمة, فحملته الرياض جاهزا ويحتاج فقط الى ثقل السعودية وموانتها للاسراع في تنفيذه, كذلك سجلت الدولة السعودية واميرها القوي للاردن وقيادته مهارة التفاوض مع الغرب لتمرير الملف, كذلك الت?ريحات الايجابية المسبقة والتي كان اخرها قبل القمة بايام قليلة من القمة.

قمة جدة حملت رياح التفاؤل, بان الملفات العربية سيتم فكفكتها وانتاج حلول لها بايد عربية, وهذا كان المأمول العربي الشعبي, منذ ازمة الخليج الاولى واحتلال الكويت, لكن المبادرات العربية تأخرت عقودا طويلة, ولعل المبادرة الاردنية حيال سورية هي اول الخير بالنجاح, بعد ان ذاقت الامة مرارة فشل المبادرة الاردنية حيال العراق قبل عقود, وهذا ليس استعجالا للنصر بقدر التأسيس له, فملفات اليمن وليبيا والسودان ونسبيا العراق بحاجة الى مشاريع عربية ذاتية الصنع, وطبعا لا ننسى الجرح الجديد القديم السودان, الذي ينزف في اتون القمة ?هدير خطاباتها.

قمة جدة فتحت للمتفائل بابا لا يمكن انكاره, ومنحت المتشائل بابا لا يجوز اغلاقه, فكل طرف يحمل ما يؤيد وجهة نظره, لكن الاستعجال سيضع القمة في مهب العاصفة, فلا دعوة سورية للقمة تعني انتهاء الازمة, ولا التسكين في اليمن يقول بعودة اللحمة, والصمت في ليبيا قابل للانفجار في اية لحظة, والعراق ما زال يعاني مرارة ثنائية, والسودان سلة ممزقة لا تصلح لاسقاء عطش السودانيين واحبابهم, لكن مفتاح النجاح حاضر ومتوفر, فالتحضير المسبق والتحالف التنفيذي بين السعودية كرئيس للقمة ودول العقل والتوازن, الاردن ومصر والجزائر, سيقرب الب?يد ويحقق الغايات ان اكملت هذه المنظومة عملها, بدقة وتناغم كما السابق, ولعل نجاح قمة جدة يغري كل الاطراف بالنجاح, فلا شيء يغري بالنجاح اكثر من النجاح نفسه.

omarkallab@yahoo.com