مرايا – جمعنا الكاتب الصحفي المشاكس عمر كلاب مع العديد، بل مع العشرات من الذوات المهنية، السياسية، الحزبية، الوجهاء، ورجال الأعمال، بمناسبة عائلية خاصة، ولكنها تجاوزت ذلك لتكون كأنها لقاء سياسي، نشاط انتخابي، استفتاء على ظاهرة، فحص نحو الانحياز لموقف، ورغم خبراتي السياسية والحزبية والانتخابية، حسدت الزميل على ثلاث مظاهر جمعت الرفقة، والحفل الجمعي الجماعي:
أولاً مقدرة عمر على الجمع وحسن الاختيار النوعي التعددي: الوطني، الجهوي، المناطقي، الطبقي، من المدن والأرياف والبادية والمخيمات.
ثانياً استجابة هذا التنوع من الحضور لدعوته.
ثالثاً لاختياره طلال الماضي ليكون متحدثاً أمام الجمع، بمناسبة اجتماعية عائلية ليحولها بمنطق، ببديهية المتمكن واسع الأفق، عميق الانتماء أردنياً فلسطينياً عربياً، بدون ادعاء أو تكلف، حوّلها إلى حدث سياسي لفت انتباه الجميع، وكأنه وحدهم رغم التباينات التي تفرقهم.
ما لفت انتباهي أكثر حينما تعرض المتحدث الذات الوطنية طلال الماضي، لغزة، وأهل غزة، وعائلات غزة، مما أثار لدي هذا الانحياز والاحترام والتقدير.
غزة بتضحياتها وبمبادراتها وتفوقها، أعادت للشعب الفلسطيني هويته الوطنية التي كانت مُبددة، منذ عام 1948، وأعادت للشعب الفلسطيني مكانته واحترام الشعوب العربية بل والعالم له بما ملك من تضحيات وصلابة وحضور، فرضت على شارون الرحيل عن قطاع غزة بعد فكفكة المستوطنات وإزالة قواعد جيش المستعمرة، جيش الاحتلال 2005.
غزة، صنعت للشعب الفلسطيني مؤسسته التمثيلية الموحدة: منظمة التحرير الفلسطينية، وجعلت منها القيادة والممثل الشرعي الوحيد، رغم تنوع السياسات والمواقف، ورغم التمزقات الجغرافية والمكانية في مواقع إقامته.
غزة التي أنجبت القادة العظام: ياسر عرفات، خليل الوزير، صلاح خلف، أحمد ياسين، جيفارا غزة، عبدالله الحوراني، حيدر عبدالشافي، رشاد الشوا، وأطال الله في عمر فريح بو مدين أبو مصطفى، هؤلاء وغيرهم هم صُناع مكانة غزة وحضورها الوطني بامتياز تتفوق فيه في تمثيل الشعب الفلسطيني، فمنها بدأت رحلة النضال واستعادة حقوق الشعب الفلسطيني، ومنها بدأ انحسار المستعمرة ورحيلها.
غزة الآن هي رمز الوجع، والتراجع، والإنحسار، بفعل الانقلاب الدموي، فبدلاً من أن تصنع حركة حماس بفعل ما ملكته من تضحيات جعلت الأغلبية الفلسطينية تختارها عبر صناديق الاقتراع، حوّلت غزة إلى حالة مخطوفة، فرضت عليها التسلط والأحادية، وأوقعتها بالضيق والفقر والحصار، بدلاً من أن تقدم غزة لتكون نموذجاً للحرية والاستقلال والكرامة.
غزة ستبقى عنوانا، وما ذكره ابن الأردن طلال الماضي، عن غزة يستحق التقدير كي تبقى في الموقع الذي تستحقه وتستعيده.