مرايا – كتب : عمر كلاب

لا اظن زمنا مقلوبا مرّ على الامة العربية اكثر من هذا الزمن, الذي تتوحد فيه كل القوى, فيما ننحاز بيقين الى فرقتنا, رغم عوامل التشارك, لكننا نسير نحو هاوية معرفية, ستفضي بنا الى خطر الاندثار,

فالكردي يرتدي لباسه التقليدي الذي نعرفه جميعا وهو يسير في شوارع العواصم العربية او في محافظات الاغلبية الكردية، ويسير الخليجي بدشداشته البيضاء في كل العواصم العالمية والعربية ونعرفه من لكنته وغطرته، وما زال اللباس الصعيدي مألوفا ومحبوبا خاصة اذا ما كان القفطان متبوعا بالعصا الطويلة » النبوت » والبرنس المغاربي دليل على الهوية المغاربية كما الشماغ الاحمر في هذا الثرى الطهور والحطة السوداء في فلسطين ويبقى القمباز عاملا مشتركا بين ضفتي النهر، فأجسادنا ما زالت مخلصة لتراثها، والسؤال عن مدى اخلاص العقل لهذا الجس? وهذه الهوية التي يجرى التعبير عنها بالالبسة، طبعا دون اغفال لصفات الجين العربي الذي يمنحه امتيازا خاصا تحديدا جين البداوة.

تحت هذه الالبسة ثمة رؤوس تحوي ادمغة تعيش عالما مغايرا لواقع لباسها وجينها، فتحت العمامة ثمة مخالفات تسلب العقل وعيه، فالكردي يسير نحو التعبير عن هويته بتحالفات تعادي الواقع الذي يعيش فيه، بل ويستثمر في اللحظة القائمة التي تؤكد ان المحيط العربي منفلت ويمكن نهش ما تيسر من اجزائه، بدليل اقامة الدولة على الجزء العراقي من كردستان دون الحديث عن باقي اجزاء الاقليم الواقعة تحت السيادة التركية والايرانية، والاكراد في سوريا سائرون على نفس الدرب الذي سار عليه اخوانهم في العراق بمعنى امكانية ايجاد دولة موزاية كردية قا?م فعلا، وكاننا امام النموذج الكوري.

في العراق تحت العمامة السوداء والبيضاء فوارق لا يمكن تعدادها، وبغضاء تفيض عن حاجة دولة النخيل والمياه والنفط، وثمة تسابق لارضاء الجوار الايراني والتركي اكثر من ارضاء الاخ في الوطن والتسابق نحو ارضاء الحارس الامريكي والبريطاني يفوق كل ما غيره، ونستطيع ردم حفرة الانهدام ولا نستطيع ردم الفجوة بين مكونات الاقليم المغاربي او المكونات في القطر الفلسطيني او المكونات في القطر العراقي والسوري ومجلس الوحدة الخليجي، وما زالت حرب العمامات تستاثر بكل الاسلحة الممكنة وغير الممكنة، وكأن اللباس على الجسد الواحد تعبير فوضو? او سريالي، ناهيك عن هوية الكوفية الحمراء والسوداء ومدى الاستثمار البائس فيهما.

ننتمي جسديا الى واقعنا والى الجغرافيا التي نبتنا فيها، لكن عقولنا تنتمي الى عوالم بعيدة، ونستقوي على انفسنا بالبعيد، وكأننا نعيش عصر دويلات الطوائف او سائرون اليه بمحض ارادتنا، نغفل عن جسدنا الواحد ويعيش كل مكون على انقاض جسده، فالعقل غائب واتجرأ اكثر واقول انه خائن لوعيه ولجسده، مثل سيدة وقورة تعيش محافظة على جسدها من اجل لحظة الزواج الشرعي، لكن خيالها مسكون بنجم المسلسل التركي او بصورة مرسومة على جدران دماغها عن الفارس القادم على حصان ابيض ولكنها لم تفرط بجسدها ابدا، وهكذا هو الجسد العربي ممسك بوقار على ?ل تقاليده العربية وممسك بيقين على البسته التقليدية لكن عقله في مكان اخر.

الجسد العربي بات قابلا للتجزئة وللتقسيم على المكونات رغم الاصرار على اللغة المشتركة والمصير المشترك واللباس المشترك، نمسك على كل اجزاء الوحدة المشروخة من ثياب وعادات لكننا نترك العقل سائرا نحو اهوائه وخيالاته، وكأن الجملة التاريحية التي قالها الروائي الاسكتلندي حاضرة في مجتمعاتنا حيث قال في روايته » ما جدوى اخلاص الجسد ما دام العقل بطبيعته خائنا » ومن حقنا اليوم ان نعيد طرح السؤال ونحن نرى اجسادنا متدثرة في جوارب على هيئة البسة واحدة وعقولنا تسبح في بحور الغربة والاغتراب.

omarkallab@yahoo.com