مرايا – كتب : عمر كلاب

لا يشير السياق الرسمي ولم يُشر يوما, الى غير طريق الاعتدال السياسي, في كل مساراته وتحديدا على المسار الفلسطيني, رغم انه جزء من الملف الداخلي الاردني حسب التصنيف الشعبي والرسمي, واشتبك الاردن مع الملف الفلسطيني كما لم يشبك معه احد من العرب, لكن قواعد الاشتباك تغيرت جذريا, ولم تعد القضية الفلسطينية برمتها على اولويات الاجندات العربية والعالمية الفاعلة, مما يتطلب اعادة النظر الاردنية في قواعد الاشتباك مع القضية الفلسطينية, التي تعاني من ازمات داخلية اكثر من معاناتها مع التراجع التراتبي في ملف الاهتمامات العرب?ة والعالمية, وبات الفلسطينيون اقرب الى حكاية المثل الشعبي الذي يقول”جئنا نساعده في حفر قبر ابيه فسرق الفأس وهرب”, فالتناقضات الفلسطينية الداخلية من انقسام وتشرذم, تساوي او اكثر في ايذائها من الاحتلال الصهيوني.

ربما لا يدرك كثيرون ان حكومة الائتلاف – بيليد غانتس- التي راهن عليها تيار الاعتدال العربي, رفضت الجلوس مع الفلسطينيين على مائدة واحدة, في حين قبلته الحكومة الفاشية بقيادة نتنياهو وبحضور مصر والولايات المتحدة كشهود, وهذا يعني ان الديبلوماسية الاردنية نجحت في فك عقدة عمرها اكثر من عقد من الزمان, لكن الجهد الاردني لا يعني بالضرورة احداث تحولات نوعية على الارض, فهذه قصة مختلفة تماما, ومن هنا ياتي السؤال عن جدوى قواعد الاشتباك الحالي, الذي يأتي بنتائج عكسية بعد كل لقاء اردني مع حكومة الفاشية والفصل العنصري في ت? ابيب مع اختلاف مسميات رئيسها وتركيبتها الحزبية, وهل من جدوى في الاستمرار بهذه القواعد ام بات واجبا تغييرها والتعامل مع قواعد اشتباك جديدة, تتناسب والحالة الفلسطينية؟

دعونا نعترف بوقار بأن كل التوصيف السياسي القائم لم يعد صالحا, فالصراع لم يعد صراع وجود مع الاحتلال الاسرائيلي, وبالمقابل هو ليس استعمارا بالشكل المعروف تاريخيا, فالصهاينة القابعون على الارض الفلسطينية يحملون 82 جنسية, اي ان فكرة عودتهم الى بلدانهم الاصلية انتهت كما انتهت فكرة رميهم في البحر وتجوع يا سمك, فقد اعترفت منظمة التحرير بكل الوانها وتفاصيلها التنظيمية والفصائلية بالكيان الصهيوني, وكذلك فعلت ابرز حركة اسلام سياسي » حماس «, من خلال مشروع الهدنة الطويلة, ولا اظن حركة الجهاد الاسلامي ببنيتها الفلسطيني? بعيدة عن هذا المسار, اي ان الجميع الفلسطيني والعربي بشقيه المعتدل والممانع قبل بوجود دولة الكيان الصهيوني, فلنبحث اذا عن مشروع فيه من الواقعية السياسية اكثر مما فيه من الاعتدال والممانعة التي تحمل الرغبة بكل اشواقها, فهي ممانعة على تفاصيل مناطقية او قُطرية, وليست ممانعة منهجية وقمة بيروت ومشروعها العربي ما زالت تؤكد ذلك, والاعتدال فيه انبطاح اكثر مما فيه غير ذلك.

اذن لنراجع المطروح على الطاولة الدولية والعربية, دولة واحدة يبدو انها شبه مستحيلة, وحل الدولتين يحتاج الى مقاربة مختلفة لكل ما يطرح اردنيا وفلسطينيا, مما يعني ان مقاربة الكونفدرالية والفدرالية حاضرة بقوة على الطاولة, رغم ما تحمله من مخاطر على الاردن وفلسطين, فشقها الكونفدرالي يحتاج الى اعتراف عالمي بدولة فلسطينية على اي مساحة, ثم تقوم هذه الدولة بمنح الجنسية للفلسطينيين وتعلن الكونفدرالية, وبالتالي يذهب اكبر هاجس عن الاردن وتركيبته الديمغرافية, ولكن هذا لا يُسقط الفدرالية فهي الاكثر راحة للصهاينة, ويبقى مف?وم حل الدولتين الذي يردده الاردن الرسمي في كل وقت, رغم يقينه بأنه بات بعيد المنال لكنه ليس مستحيلا, ويكرس الحضور الاردني في كل المحافل هذا الحل مما يعني ان الحضور الاردني ضروري جدا, ولكن باختلاف الادوات, فإذا كان الاردن لا يحتمل دعم المقاومة المسلحة, فهو قادر على دعم مقاومة مدنية سلمية وحمل ملف الفصل العنصري, فهذه مفردات مقبولة دوليا ولا تضع الاردن في خانة الحرج السياسي مع المجتمع الدولي الذي يحمل احتراما للاردن, واظن ان المقاومة المدنية والعصيان المدني قد حقق ناحات في دول كثيرة ليس اولها جنوب افريقيا, لكن?البقاء في دائرة الاعتدال السلبي لم يعد مقبولا, ولعل التجارب المريرة مع جكومات الفصل العنصري في دولة الاحتلال, قد اثبتت ان قواعد الاشتباك السابقة لم تعد مجدية ولا واقعية بل ولا تقترب من مفهوم الاعتدال.

omarkallab@yahoo.com