مرايا – كتب : عمر كلاب

مع انتهاء جدل الإصلاح السياسي بالتوافق الذي حصل داخل لجنة تحديث المنظومة السياسية, كما أشار رئيس اللجنة سمير الرفاعي في محاضرة غاية في الاهمية القاها الرجل في جامعة ويرويرك الأميركية خلال قمة اقتصادية, نجم عنها قانون انتخابات وقانون احزاب وتعديلات دستورية, بات من الواجب إعادة ضبط كثير من المصطلحات الدارجة التي لم تعد صالحة للمئوية الثانية من عمر الدولة, ولم تعد مقبولة للتداول السياسي والاجتماعي, وأولها مصطلح الوحدة الوطنية الذي يقود بالذاكرة حكماً إلى حقبة زمنية تجاوزها المجتمع والدولة, ولم يتبق منها إلا ثقوب سوداء في بعض العقول المستفيدة من تشظي المجتمع الى فسطاطين.

فالمواطنة اليوم هي التي يجب أن تسود وأن تتصدر الحالة السياسية والاجتماعية, وحتى لا نتوه في المفهوم, فإن المواطنة لا تحتاج إلى كلفة باهظة كما يحاول بعض الساسة تصويرها, فهي تعتمد على عاملين, العدالة والمساواة امام القانون, ولا تتناقض تبعاً لذلك مع الفزاعة الجديدة التي يتبناها القائمون على تمدين المجتمع عبر بوابة التمويل الخارجي والداخلي, واعني الهوية الفرعية, التي ينسب كثيرون كل الشرور اليها, فما الضير من القول انني اردني من الكرك أو أردني من الخليل أو اردني من إربد أو اردني من حيفا, المهم إلا يتمتع اردني على اردني بحكم فرعية هويته أو ما احب تسميتها, الانتماء الى مسقط الرأس, بميزة او استثناء تبعا للهوية الفرعية او مسقط الرأس او الانتساب الى محافظة او قبيلة.

وحتى لا يستشيط اصحاب الرؤوس الحامية من حرّاس المجتمع المدني, فهذه الهوية موجودة في الدول التي ينسبون اليها التقدم ويتلقون منها الدعم, فكلنا شاهدنا في الافلام وفي الواقع لمن زار تلك الدول, من يعرف نفسه بانه امريكي من اصل يوناني او ايطالي او مكسيكي او افريقي, بل واكثر هناك من يعتز بأنه امريكي من فلوريدا او من شيكاغو او من واشنطن, ولا يوجد تناقض مع مواطنته, فلا احد يستنكر على احد مسقط رأسه, وبالتوازي لا احد يمنح او يٌمنح ميزة تبعا لهذا المسقط او المنبت, فالمواطنة هي المقياس, وهي مواطنة قائمة على العدالة وسيادة القانون على الجميع, واظن ان قانون الانتخابات الجديد وقانون الاحزاب قد حسما هذه النقطة تماما, وعلى الجميع استثمار هذه الفضيلة والغاء مفردات سابقة ربما كانت تحتاجها اللحظة الوطنية والظرفية السياسية في وقتها, لكن الآن لم تعد صالحة تماما مثل نكاشة البابور او شمبر اللوكس.

ثمة عقل سياسي ما زال مأسورا بالعبارات السابقة, وهو يعلم يقينا ان هذه العبارات تخثّر الدم في الاوردة, وتجعل من الجلطات السياسية حالة مستدامة, واخشى بأن بعض الأحزاب ما زالت مسكونة بهذا الاختلال المعرفي والمنهجي, بسعيها إلى تركيب الهيئات القيادية على مفهوم الوحدة الوطنية المختل, والذي يعني المحاصصة بابهى صورها وينسف مفهوم المواطنة, فالصوت الانتخابي القادم سيكون للحزب وبرنامجه وقدرته, وليس على تصنيفات وتبويبات هيئته القيادية حسب المحاصصة الوطنية وتراتبية الاسماء في القائمة الحزبية او الهيئات القيادية حسب مسقط الرأس وليس حسب الكفاءة ومخرجات صناديق القتراع داخل الحزب.

أظن جازما ان سيادة مصطلح المواطنه بات ضرورة ملحة, في الأردن الحديث الذي يواجه اسئلة صعبة تستهدف منعته ومناعته, وعلينا حسم الجدل بإخراج بعض المصطلحات الباليه من الخدمة السياسية والتفكيرية.

omarkallab@yahoo.com