مرايا – كتب : عمر كلاب
بهدوء

لم يكن الاردن يوما, حافلا بالثروات الطبيعية او جاذبا لقطاعات استثمارية كبرى وصناعات تحويلية، بل كل ما اعتمده الاردن في حقبة نجاحاته كانت ارادة وادارة، ونجح في استقطاب واستثمار ادارات مؤمنة بارادته، وكانت الارادة صادقة ومالكة لادوات التنفيذ، واذا ما حاولنا استنطاق او تفكيك الشيفرة الاردنية التي أنجت الاردن من كل اعاصير الاقليم وتحولاته، فهي ببساطة هذه الخلطة من الارادة والادارة، المنسجمة والقادرة، وليست تلك الادارة الراغبة او المستكينة الى الرغائبية فقط دون ادنى قدرة على التنفيذ، والاهم ان الادارة التي قادت النجاح كانت راغبة ومؤمنة بما تقوم به، وليست مجرد مرددة او متسلقة على سلم الادارة، تبحث عن لقب وامتياز.

لم ينعم الاردن في مئويته الاولى، سوى بسنوات لا تتجاوز عدد اصابع اليد الواحدة بعلاقة طبيعية مع جواره الشقيق باستثناءات محدودة، ووفق تناقضات الاشقاء، اي لم يشهد الاردن يوما واحدا من توافق مع جواره، بل كانت علاقات ثنائية او فردية وليست رباعية على جهاته، لكنه كان ماهرا في تشكيل ادارات قادرة على التعامل مع التناقضات، وادارات قادرة على التفاعل والتعامل مع كل ملف، ولعل قصر عمر الحكومات في الاردن طوال المئوية الاولى، كان بسبب تقلبات الاقليم، وليس لسبب جوهري داخلي او ضجر سياسي، كما يحاول بعض المتفذلكين تسويقه، فكل جهة حدودية كان لها فريق لادارة التعامل معها، فثمة من يعرف دهاليز السياسة في دمشق وبغداد، وثمة من يجيد التعامل مع منظمة التحرير وفصائلها وتنوعاتها العشائرية داخل الفصيل الواحد، وهناك من يعرف الرياض واستحقاقات الاقتراب منها، وكل ذلك ممسوك بيد عليا فاهمة وقادرة على ادخال هذا اللاعب الى ارض الملعب او استبداله في التوقيت المناسب.

ما سبق تمهيد للقول بأن تعليق الازمات على شماعة الظرف الخارجي، ليس صحيحا وليس دقيقا، بل تعبير عن حالة انكشاف لعجز الادارة المحلية وغياب اللاعبين المؤهلين والجاهزين بلياقتهم الوطنية والسياسية، فالارادة متوفرة، لكن ثمة اختلال في الادارة انتج كل هذه الازمات وعلى كل المحاور والجبهات، فما شأن الازمة الاقتصادية مثلا في عدم توفير بيئة سياسية حاضنة للمشاركة الشعبية؟ وما شأن الاحداث في الاقليم في توفير خلية ازمة نشطة وفاعلة محليا وخارجيا؟ وما شأن كل ذلك في اغلاق مسارب الخروج من الازمات وتضييق مساحة الحدائق الخلفية للسياسة الخارجية، إن لم يكن اغلاق تلك الحدائق نهائيا، وانتهاء زمن تبادل الادوار، واستثمار مساحات لا تستطيع السياسة الرسمية الوصول اليها، ولكن يستطيع تيار او حزب او شخصيات من ولوجها.

كلنا يعلم حجم وعدد الملفات الشائكة خارجيا، وكلنا يعلم اننا نمتلك مفاتيح اهلية وشعبية وسياسية لفكفكتها او تقليل اضرارها ودون كلفة سياسية على الجانب الرسمي- حتى لا نُتهم بالعدمية- ولكن الازمة ازمة منهج كما قال ماركس، فنحن وضعنا بيضنا في سلة واحدة، بعد ان استحكمت في المشهد طبقة ادارية لا تعرف ابجديات السياسة ولا تفهم ان السياسة فن الممكن والاهم فن ادارة التناقضات، فهم اما تكنوقراط محدودي الكفاءة حتى في مجالهم، واما عبروا الى الادارة بمعادلات غير رياضية على الاطلاق اما بحكم صدفة موضوعية او علاقة نسب او مطبخ، فكانت النتيجة ازمات متناسخة ومتعددة ومتلاصقة، والخروج من الحالة هو بتغيير نمط وشكل الادارة وتاليا اللاعبين الذين يجب ان يتوفر فيهم شرط الكفاءة والرغبة، فالمسافة بين الارادة والادارة اكبر من تقديم حرف وتأخير آخر، بل تقديم فريق وسحب آخر.

omarkallab@yahoo.com