مرايا – كتب: عمر كلاب

لم يهنأ كثيرا انصار تعظيم كل خبر غير عربي او غير اردني على وجه الحصر, بعد اعلان تشيلي الدولة الساكنة في اميركا الجنوبية, والتي اكتشفنا ان لها انصارا ومريدين في عالمنا الافتراضي والسياسي, تحديد موعد تسليم سفير الكيان الصهيوني لاوراق اعتماده لرئيسها في نهاية الشهر الجاري, والجدير بالملاحظة ان موقعا متخصصا في نشر الاخبار السوداوية في الاردن ما زال ينشر على صدر صفحته الرئيسة خبرا عن اهانة الرئيس التشيلي للمطبعين العرب, وبنفس الوقت خبر تحديد موعد تسليم السفير لاوراق اعتماده.

هذا لا يعني اقراري بالخطوة او الموافقة على التطبيع المجاني او المرحلي, فكل علاقة مع الكيان الصهيوني قبل اعلان الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس على حدود الرابع من حزيران عام 1967 حسب البرنامج المرحلي الذي اقرته فصائل منظمة التحرير الفلسطينية, ولاحقا حركة حماس بمشروع الهدنة الطويلة, هو مرفوض, ولكن ما اود قوله هنا, هو هذا التسطيح والتسخيف عند كثيرين ممن يشغلون الفضاء السياسي او الافتراضي, بنشرهم بفرح وتفاخر مثل هذه الاخبار, التي تؤكد وترفع نسبة الغرائزية في العقل وتمنح العقل ابر تخدير فائضة عن الحاجة, وتكسر الجدوى في بناء مشروع وطني قائم على ارضية العقل, فأي واع او عادل لن يقبل الا بخطوة مماثلة او زائدة عن خطوة تشيلي, دون تحقيق بناءات مجتمعية وسياسية حاملة للفكرة, او متسقة معها.

فنحن نعاني اليوم واكثر من اي وقت مضى, من حالة الغرائزية السائدة, التي قتلت وعي التراكمية, واجهضت مشروع الذاكرة الوطنية المستدام, فبات المجتمع الاردني قصير الذاكرة وغرائزيا حتى في قيادته لمركبته الخاصة, وتلك الحالة اختصرها سياسي اردني بعبارة صادمة تقول: «جوّز ابنك لبنتك والفضيحة اسبوع”, ورغم قساوة العبارة, الا انها معاشة واقعا, فأكبر قضية تشغل بال الرأي العام الاردني لا تعيش اكثر من اسبوع هذا اذا كتب لها العمر الطويل, والسبب نشطاء الوعي الزائف وتجار الغرائزية الذين افسدوا الذائقة الوطنية, وجعلونا نكسر كل نموذج محلي لصالح نماذج خارج الجغرافيا, وثمة خشية حقيقية, بأننا بعد شهور على ابعد تقدير لن نجد شخصية وازنة تقبل بأي منصب عام او تتقدم للترشيح في اية انتخابات.

لن اذهب بعيدا في الذاكرة لاستحضار نماذج مشرقة, بل سأستحضر الاقرب, وهم شباب الدفاع المدني الذين عملوا في ظروف صعبة مدة ثمانين ساعة متصلة في عمارة اللويبدة, ولم نسمع كلمة ثناء واحدة فيهم ولهم, بحجة ان هذا واجبهم كما قال لي احدهم, وبالمقابل نسمع تطبيلا وزغاريد لافعال في محيطنا القريب ومن نفس تلك الفئة لافعال تحت بند الواجب كما يقولون لكنها عندما تصدر من خارج المحيط الاردني تصبح عظيمة ومهولة.

سئمنا فعلا ظاهرة تكسير الرموز وتقزيم الخطوات الاردنية, دون التقليل من حجم التراجع الذي نعيشه ودون انكار حجم التجريف الذي تعرضنا له كمجتمع, وهو بالمناسبة سياق عربي وربما عالمي, بعد تغول الليبرالية المتوحشة واليمين العالمي, لكن ظاهرة التفاخر بشعر ابنة اخت القرعة ما زالت سائدة وتتعاظم وتلك مصيبة يجب الوقوف بوجهها والتصدي لها, بشكل كاسح وصارم, فقد سئمنا البقاء في خانة خبز الشعير مأكول ومذموم.

omarkallab@yahoo.com