مرايا – بقلم: عمر كلاب

بهدوء

لا يمكن ان تتراجع منظومة الخدمات العامة, دون ان تنعكس تراجعا على منظومة الوعي والثقافة, فالتكدس في المدارس الحكومية لن يخلق جيلا منفتحا او قليل الغضب او لديه مساحة للآخر, فضيق المساحة سيخلق ضيقا في الصدر, مع الاخذ بالاعتبار ان التلاصق في الغرفة الصفية لا يقابله فضاء مفتوح خارجه, فالاحياء متلاصقة والبيوت والمركبات, حتى بات التلاصق سمة اردنية, وكذلك الشارع المكتظ والمليء بالحفر لن ينتج سائقا ملتزما بقواعد السير او قليل الغضب, وباقي قطاع الخدمات العامة من مياه وكهرباء ونظافة ووسائل نقل عام.

لذلك لا يجوز المرور على حالات العنف والغضب على طريقة اخواننا في مؤسسات المجتمع المدني, المرفهين والجالسين في فنادق البحر الميت او فنادق الرفاه, فهم أسرى للتمويل الاجنبي الذي يفرض ايقاعه ونموذجه الاجتماعي فتسعى تلك المؤسسات الى محاكاته, وعليه فإن النواب الموقرين ليسوا نبتا غريبا او خارجين عن السياق العام, فهم سبب ونتيجة للازمة العامة, سواء بسلوكهم تحت القبة الغاضب والانفعالي, او بأسئلتهم التي تجاري النمط السائد وتشتري الغرائزية المطلوبة للبقاء على المقعد البرلماني طالما ان قانون الانتخابات قاصر عن تحريك الك?لة الحرجة الصامتة.

طرحت هذه المقدمة كي لا يستشعر النواب بالاستهداف كما شأنهم عند كل نقد او ملاحظة, فما شأن الحكومة بالتدخل في ودائع الاردنيين في الخارج, والتي ذهبت الى هناك بسبب الجشع والطمع كما يقول صديق اقتصادي اثق برأيه, فالودائع تلك ركضت خلف ربح مضمون وسريع ودون اعباء, وكان الاجدى بالنواب الكرام بدل هكذا اقتراح ان يسعوا الى توفير البيئة الاستثمارية اللازمة لعدم خروج اموال الاردنيين الى الخارج بل استثمارها في المشاريع الاردنية, اي ان واجبهم توفير بيئة تشريعية ضامنة للاستثمار وجاذبة له, بدل اللطميات والبكائيات على اموال في?مصارف خارجية, وربما ان بعضهم يتحدث عن نفسه او عن دائرته الضيقة, فجُلّ الاردنيين لا يملكون ما يكفيهم الشهر الواحد, اي انهم يدافعون عن طبقتهم وتربتهم الاقتصادية والاجتماعية.

البيئة الاستثمارية وحمايتها هما واجب النواب من حيث توفير تشريعات ضامنة ومستقرة, ثم توفير رقابة ومحاسبة على الحكومة وطواقمها اذا مارست سلوكا عدوانيا على المستثمر, لكن ما جرى العكس تماما, فثمة بعض سلوك نيابي بالاقتراب من الاستثمار على طريقة زواج المتعة او المسيار, تسليك الاستثمار والضغط من اجل ترخيصه ثم الخروج بما تيسر من منافع وفوائد, والا كيف وصل حجم الاعفاءات الضريبية التي سعى فيها نواب الى مبالغ مرعبة ومرهقة للخزينة العامة, وكيف يتم استثمار الاسئلة لغايات الضغط على القرار الحكومي وصناديق الاستثمار؟ حتى ن?اشات القانون الحالي, قانون البيئة الاستثمارية, جرى ادخاله في دائرة الغرائزية.

اذن لماذا المزايدات, ولماذا محاولة استفزاز الرأي العام باقتراحات يعلم السادة النواب أو المقترحون منهم ان هذه ليست الطريقة الحقيقية لمثل هذه الاقتراحات, بل ويعلمون جيداً ان اية شكوى للمحكمة الدستورية ستبطل الاقتراح, وندخل في حسابات لا تحتملها اللحظة الأردنية, بالمقابل يجدون الف مبرر لمن يفتح كل استثماراته لمن اخرجوه من قانون الاستثمار الجارية مناقشته, طبعا اتحدث هنا عن القوانين لا عن الوجدان الاردني الذي نعلم جميعا نقاوته حيال فلسطين وشعبها.

فقط نطالب السادة النواب ان يعملوا عملهم بامانة كما اقسموا, ان يسعوا الى بناء منظومة تشريعية وطنية صلبة, وان يقوموا بدورهم الحقيقي في المحاسبة والمساءلة والرقابة, وتصليب الجبهة الداخلية امام الاستهدافات الخارجية, ليس على قاعدة المناكفة والغرائزية بل على قاعدة وطنية صلبة من المجابهة والمواجهة ونبدأ بازالة جذر المشكلة وليس ذنبها.

omarkallab@yahoo.com