مرايا – بقلم: عمر كلاب
لا يحتاج حال النقابات المهنية الى غوص في العُمق كي نكتشف حجم التراجع في السلوك النقابي والاداء المهني والسياسي, فما كشفته انتخابات ابرز ثلاث نقابات مهنية يُشير الى عمق الازمة, فالانتخابات كانت اقرب الى ساحة شجار وتراشق, بكل الاسلحة المتوفرة في القاعات من كاسات مياه ومقاعد, ولعل اكثر المناظر ايلاماً للنفس هو منظر الاطباء وما تركوا خلفهم من آثار مؤذية للقلب وللعقل, فهل يُعقل ان المؤتمنين على حياة البشر, يسلكون هذا السلوك العنيف, وهل تراجع السلوك المهني الخاص اسوة بتراجع السلوك العام؟.

ينحاز جيلي بالكامل الى مجمع النقابات المهنية ورمزيته في الحياة السياسية الاردنية, حين كان المجمع رمزا ومعلما للحريات العامة, وموئلا لكل راغب في اردن وطني ديمقراطي من اجل تحرير فلسطين, لكن القادم من المجمع اليوم وبعد انتخابات النقابات المهنية الرئيسة يستوجب المراجعة, لانقاذ المجمع ورمزيته, من العبث والتردي, فالصورة كانت بالغة التأكيد على ان ما يجري في المجمع جزء اصيل من حالة الاعتداء على الارث السياسي الاردني لاضعاف مناعة الدولة وتشظية مواطن قوتها, فبدل ان يكون المجمع قاطرة التقدم والتطوير والتنوير, اصبح عربة يقودها الغرائزيون والشعبويون, واصحاب المصالح الضيقة,على عكس ما يجري في اقطار عربية, ما زالت نقاباتها المهنية والعمالية جدارا صلبا, للمجتمع المدني وللحريات العامة, وحراسا في الوقت نفسه للمهنة واخلاقها وقيمها.

طوال فترات سابقة طرقنا جدران الخزان النقابي والمهني, كي يستيقظ المهنيون لمواجهة واقع يشي بان المجمع ونقاباته في طريق الاضمحلال وقلة التأثير, وها نحن اليوم نقف امام حقيقة مؤلمة مفادها ان اقل من 10% من الهيئة العامة, يحسمون مصير الجميع, وان الانتخابات التي كانت تجري على اسس مهنية رفيعة وسياسية وطنية جامعة, باتت تجري على اسس جهوية وتجارية, واصبحت النقابات ساحة للتراشق والتجاذب العصبوي, بدل ان تكون ساحة انتاج معارف وثقافة, والجميع مسؤول عما حصل, الاحزاب والقوى المهنية والسلطة, فلا احد بريء من هذا الجرم وهذا التراجع.

سابقا كانت الكفاءة المهنية والانتماء السياسي, يحسمان المواقع ويحددان الفائز او القادر على المنافسة, فكل نقابة كانت تقدم افضل المهنيين للتنافس, وكان النقيب علامة فارقة في المهنة وفي السياسة, ومن يراجع اسماء النقباء ومجالس النقابات يعرف كيف ان شيوخ الكار هم الذين كانوا يتصدون للعمل المهني والسياسي, فكل نقيب في ظهره قصة نجاح مهني, وكل عضو له بصمة في المهنة وحضور في المشهدين المهني والسياسي.

ظالم لنفسه وللوطن, من يسره حال النقابات المهنية وما يجري في المجمع, ولا بديل عن مؤتمر مهني وطني, يقرأ اسباب هذا التراجع ويفتح صفحة جديدة يعود فيها المجمع الى سابق عهده وألقه, فنحن في لحظة وطنية فارقة, نحتاج فيها الى كل بيت خبرة وكل قيمة مضافة, والمجمع بنقاباته كان كذلك, ويجب ان يعود.. هذه دعوة صادقة لانقاذ النقابات المهنية والمجمع الرمز, قبل ان ينهار ويصبح خارج الحياة كما حال النقابات العمالية, التي خسرناها وخسرنا معها حالة وطنية افضت الى كل هذا التردي الذي نراه في المجتمع وفي السياسة.

omarkallab@yahoo.com