مرايا – بقلم: عمر كلاب

هل يمكن مغافلة الاقتصاد وجلساته, بقليل من السياسة وما يشبه حديث الكوانين في ايام الشتاء, رغم حرارة الجو وما يفيض منها على حواف البحر الميت, فمن أخفض بقعة في الكون تم اطلاق رؤية التحديث الاقتصادي «اطلاق الامكانات لبناء المستقبل» وسط حضور فيه من الخاص ما يحتاجه العام, وفيه توليفة تفيض عذوبة عن مالح البحر الميت, الذي اصبح بعد المشاريع على حوافه قريباً من اسطورة زهرة الملح, والاسطورة تقول ان مزارعاً عاشقاً اراد انتاج زهرة بيضاء من غير سوء, تشبه بياض الملح, وبعد محاولات مجبولة بملح الدمع ايضا, نبتت زهرة الملح و?نتصر العشق على الملح, وأظن ان عشق الملك عبدالله الثاني انتج زهرة الملح في البحر الميت, الذي كان الى عهد قريب يمتلك فندقا وحيدا, وبات اليوم مرصوفاً بالمباني الجميلة, فنادق واستراحات وقصر مؤتمرات.

أظنها من المرات القليلة التي يجلس فيها القطاع الخاص والعام, بأريحية وتكامل, وما تيسر من جلسات على محاور ثمانية كانت كاشفة لحجم الوعي المُتشكل, بأن جناحا واحدا لا يحمل الاقتصاد على التحليق لبناء المستقبل, كما تقول ثيمة الرؤية, فالقطاع العام عليه ازالة ما تكلس من اعصابه على شكل تعليات وانظمة, والقطاع الخاص عليه ان يضع في عقله الدور المجتمعي بالاضافة الى احقيته في جني الارباح, وكل طرف عليه ان يقدم تنازلات لازمة ليكون التحليق بدون ازمات, ولكن بعض المشكلات بالضرورة قادمة, فلا يأنس القطاع العام لصبر القطاع الخاص? ولا يستعجل الخاص حجم التطور على الرشاقة الحكومية والاجراءات الروتينية, اي بوضوح ان نعمل على قاعدة التشارك والتفاؤل والتوازن, فحجم ومقدار الكلس بحاجة الى وقت بعد استكمال التشريعات وهندسة الاجراءات.

على القطاع العام والحكومة, ان تتخلى عن فكرة الريعية والامتلاك, وان تدرك انها تتلقى رواتبها من دافعي الضرائب, وبالتالي هو (القطاع العام) يقدم خدمة ويتقاضى أجراً, وليس سيدا يجب ان تقدم له فروض الطاعة, وعلى القطاع الخاص ان يدرك المسافة بين ادارة الشركة وادارة الدولة, وأن الاوطان والاستثمار, بحاجة الى توافق محروس بالاعين الساهرة, التي كانت جالسة اليوم لحماية هذه الرؤية, وان الدور المجتمعي حق على الشركات والاستثمار, وليس منّة او تكارما, بل هو حق معلوم, ويجب ان تحميه تشريعات وقوانين, حتى نتخلص من شكله المشوه, فه? ما زال على شكل اعطيات او رشى عند بعض الاستثمار والشركات, ولربما هذا متسلل قليلا الى وعي بعض رجالات السلطة.

رئيس الوزراء قدم في مؤتمر الاطلاق الذي رعاه الملك وحضره ولي العهد واركان الدولة, خطابا ذكيا, بل غاية في الذكاء, مشفوعاً بنبل المفردات التي تليق بحضرة ملك هاشمي, وربما يستوجب التأخير التقديم, فهو ابدى التزاما مرنا مقابل استجابة مرنة, اي لم يسرف في التعهدات والوعود, فهو ملتزم بأن يبقى وجه امام الملك ابيض كما قال في كلمته, ولا اظننا نريد منه ومن حكومته اكثر من ذلك, اضافة الى قيامها بدورها في المتابعة والتقييم, الموكول الى اربع جهات رئيسة, وحدة متابعة الاداء الحكومي والانجاز التابعة لرئاسة الوزراء ووحدات تنفيذية في الوزارات والمؤسسات الحكومية ووزارة التخطيط والتعاون الدولي, وكلها اجهزة ولايتها لرئيس الحكومة, وحُسن التنفيذ لهذه المهام هو الذي سيبقي وجه الحكومة ابيض امام الملك, لأن وجه الملك دائما ابيض من غير سوء.

اما دور الديوان الملكي الضلع الرابع للاضلاع الثلاثة الحكومية فهو مهم وضروري, ليس بحكم تداخل الادوار او انتقاص من مفهوم الولاية العامة المشوه في اذهان كثيرين, واسهمت بعض رجالات الدولة والسلطة في اخفاء عجزها وقلة حيلتها تحت هذه اللافتة, بل لأن واجب الديوان واجهزته متابعة التقدم والانجاز لرؤية التحديث الاقتصادي, لأن الملك هو رئيس السلطة التنفيذية, ما جرى يفتح بارقة امل على وعد ان تلتزم الاطراف كلها بالمنهج الواضح في الرؤية, فالاردن يستحق الافضل والاردنيون يليق بهم الرفاه والحياة الفضلى.

omarkallab@yahoo.com