مرايا – بقلم: عمر كلاب
انتقدت شخصيات سياسية اردنية همسا, تصريحات رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة, تحت قبة البرلمان في رمضان المبارك, التي وجه فيها تحياته ودعمه للمرابطين في الاقصى الشريف, على اعتبار ان هذا الخطاب المقاوم – بكسر الواو – مفيد للخصاونة وضار بالمصلحة الاردنية, فأصحاب هذا الرأي, يعتمدون على ان الحضور الدولي للاردن مسنود بعد وزن الاردن وقيادته الهاشمية, بخطاب الاعتدال الذي يحمله الاردن على الدوام, وان اعتدال الاردن ونصائحه التي اثبتت الايام صدقيتها, هي التي جعلت الاردن بهذا الحضور والدور, وان مثل هذه التصريحات الحادة ربما تنعكس سلبا على الحضور الاردني في عواصم الغرب.

لا يدرك كثير من اعضاء تيار الاعتدال في الاردن, المسافة الفاصلة بين الاعتدال والانبطاح على ما يبدو, ولا اظنهم يقرأون جيدا ما يجرى من تطور على الساحة الاسرائيلية, التي يتسابق اركان حكمها على ارضاء المتطرفين بمزيد من التطرف, ولعل مشهد رئيس الورزاء الاسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو وهو يشارك قطعان المتطرفين امس في اجتياحهم للمسجد الاقصى, يكشف اكثر من اي كلام, مدى القبول الاسرائيلي الشعبي لخطاب التطرف وسلوكياته, فسياسي بوزن نتنياهو وهو المحترف في حصد الاصوات, يعلم حجم الاصوات التي ستدخل صناديقه في اي انتخابات قادمة بعد هذه الخطوة.

طبعا لم يتحدث احد من الذين انتقدوا تصريحات الخصاونة, سلوك نتنياهو حتى همسا, رغم ان سلوك التطرف الاسرائيلي, يحظى بحجم هائل من الادانة في اوساط امريكية ويتعاظم داخل المجتمع وكورادورات السياسة الاوروبية, وبلغة خشنة جدا, لكن دون اجراءات على الارض, وهذا غير مفهوم حتى من المطلين على الغرف المغلقة في واشنطن وعواصم الغرب, والذين ينقلون عن مسؤولين رسميين غربيين ادانات خشنة للتطرف الاسرائيلي, لكنهم في ذات الوقت يقولون لمن يلتقيهم, لا تنتظروا اجراءات على الارض من دولنا, كما نقل اكاديمي بارز عاد لتوّه من العاصمة الامريكية.

تصريحات الخصاونة الخشنة كانت بمثابة حائط صد مهم في اطاردعم الموقف الملكي والاردني, امام هجمات المتطرفين وقطعان المستوطنين, وهي التي اضفت الكثير من الهدوء على المشهد المحلي, الذي يشتعل مع كل اعتداء, واظن الخصاونة قدم نموذجا نادرا في تصديه لهذه الاعتداءات, عربيا وداخليا, فهو ابن الديبلوماسية الاردنية, تلك الديبلوماسية التي تدرك مخارج حروفها جيدا, لكن حروفها منضبطة بلغة اردنية فصيحة, وعلى المواقيت الوطنية وليس حسب مواقيت الاقليم ولا تراعي فروق التوقيت اذا كان الامر يتعلق بثابت اردني وهاشمي.

ثمة فرق بين تيار الاعتدال الذي قرأ اللحظة قبل ربع قرن وذهب الى التفاوض, والتيار الحالي ممن ينسب نفسه الى تيار الاعتدال, فالتيار الذي خاض التفاوض, هو من يدعو اليوم الى توسيع الخيارات والتفكير في حلول مبتكرة, بعد ان تغيرت الظروف الموضوعية وتغيرت العقلية التي تقود حكومة الاحتلال, الذي يسعى للحصول على كل ما يريد دون تقديم تنازل واحد او ثمن بسيط, وبين العقلية القائمة التي تخوض في حسابات وهمية يمكن ان تفضي الى تنازل اسرائيلي, لكن الخطاب الخشن من الخصاونة, يقلل هذه الفرص, على اعتبار ان نتنياهو وقطعان المستوطنين يلقون بالورد على المرابطين.

ربما نحتاج الى مزيد من التصريحات الواضحة التي تنتمي الى خندق الحق والعدل وقوة الاخلاق, كتلك التي قالها الخصاونة في رمضان اكثر واكثر, ونحتاج الى اعادة قراءة البدائل الاردنية, بعد ان احبط اليمين الاسرائيلي المتطرف كل افاق الحياة لحل الدولتين والدولة الواحدة, فما نشهده مزيد من القضم والتهويد, ودون اي ثمن.

omarkallab@yahoo.com