مرايا – بقلم: ناجح الصوالحة
اعتدنا في هذه الحياة على وجود أشخاص بالنسبة لنا هم الروح والحياة, يعز على المرء ان يعي قيمتهم بشكلها الكامل إلا بعد فقدانهم ورحيلهم عن هذه الدنيا الفانية, يسود اعتقاد عند الكثيرين أن النسيان سيكون هو الأمل لتعدي هذا الفقـد والغياب والرحيل، إن كان موتاً او سفراً او قطعاً لتلك العلاقة التي تمتد لسنيين ولظرف دنيوي تنقطع هذه العلاقة، لكن يخيب أمل القلة بهذا الاعتقاد وينغمس بحالة تشبث متعبة ومرهقة وتكون قريبة من فقدان العقل والجنون والغياب عن الحاضر والعيش المستمر لما قبل الرحيل.

بمرور الأيام وسير السنين تجد أنك ما زلت في تلك الأماكن والرائحة والتعلق والأشياء المشتركة، هي قدرات للبعض ان يتغلب على المرحلة الفاصلة بين وجودهم وغيابهم، هذا الغياب مؤلم ومتعب لمن تعلق بهؤلاء المؤثرين في حياتهم، لن نضع أنفسنا في مكانة الرفعة عن المؤثرات ونقنع أنفسنا أننا نسير للأمام، هذا قتل بطيء وتعذيب لأن البعض وأنا منهم نرجع باستمرار للحظات الجامعة لنا مع من نحب.. وقد رحلوا، يجادلك البعض بأن شؤون الحياة وتصاريفها قادرة على أن تضعك في سكتها رغماً عن أنفك، تذهب بِك بعيداً عن هؤلاء الذين رحلوا ويبقى مصيره? النسيان.

فن الحياة وجودتها ليس في نسيان من أثر في مسيرتك، وإن كان السواد الأعظم يطالبك أن تكون في المقدمة وعدم النظر للخلف او التفتيش فيما مضى من مجريات حياتك، ببالهم ان هذا الفعل يبطئ وصولك للمكان الذي ترغبه وتسعى له، غريب أمرهم في اعتقادهم انه عندما تنفصل الروح عن الجسد تنتهي الحياة, هؤلاء كانوا الروح لنا وبوجودهم كانت حياتنا أجمل ونسـير بثقة وقوة وإيجابية، شاء الله تعالى ان نتفرق ونبتعد عن بعضنا إن كان بالموت او غيره، رحيل من نحب يجعلنا نصـمم ان نبقى نعيش في ذكراهم والحديث عنهم لأنهم الروح ولن نستغني عن أرواحنا.

قبل أيام كنت أعتني ببعض الشجيرات في منزلي، وإذ بي أمام بعض من تلك التي كانت تهتم بها والدتي الحبـيبة رحمها الله، وكانت تشغل نفسها كثيراً بها ومحل اهتمام وسؤال عنها عندما كانت تغيب عن المنزل، وأنا أسقي هذه «الشجيرات» أجبرني الحنين، وشدني الشوق أن أجلس وأتمتم ببعض الكلمات لأن حبيبتنا كانت تحب هذه الأعشاب, اعتقادي إن كل مكان وجدت به هو حـياة بالنسبة لي، لكل من لديه أب أو أم سبيلك متاح أن تأخذ ما يعينك على الـصبر بعد فراقهم، سيأتي وقت تبـحث عن أي موقف كنتم به.