مرايا – بقلم: عمر كلاب

مع دخولنا المئوية الثانية, بمنهاج الاصلاح الشامل على المسارات السياسية والاقتصادية والادارية, تبدو سلطات الدولة الأردنية أكثر انسجاما وفهما للبيئة السياسية المحلية والإقليمية، وأكثر قدرة على تقاسم الادوار والمهمات وادراك حجم وحساسية الظروف الاقتصادية والسياسية ومصادر التهديد, مقابل ما تنطوي عليه هذه الظروف من فرص، مما يستوجب حالة من تقليص حجم وتأثير التحديات وتعظيم الفرص, وهذه حالة يقودها الملك ضمن سلسلة من الخطوات الجريئة والحيوية على المستويات المحلية والإقليمية والدولية كما يتكشف من نتائج الحراك الملكي ?لمثابر والدائم, ولعل نتائج الزيارة الأخيرة للولايات المتحدة, وما حملته من دلالات بالغة الدقة اقليميا ومحليا تؤكد ذلك.

وسط هذه المعطيات داهمتنا, جائحة سياسية, صفقة القرن, وجائحة وبائية, فيروس كورونا, ونما على حواف الجائحتين ظواهر تحولت الى ازمات, بعضها حقيقي وبعضها جرى تضخيمه وبعضه مفتعل او مُصنّع, وكلها تستهدف المناعة الوطنية الاردنية لاضعاف مقاومتها للجائحتين, فجرى استثمار حادثة الفتنة, بوصفها سلوكاً غير مسبوق, داخل العائلة الهاشمية, وارتداد هذا السلوك على العلاقة الشعبية مع العائلة الهاشمية, ولأننا نعيش في كنف دولة مدنية نأمل ان تسهم هذه الاصلاحات القادمة في تجذير مدنيتها, فإن العلاقة داخل اسوار العائلة الهاشمية ليست شأ?ا قابلا للنقاش العام, اما شعبيا, فنحن نحتكم الى الدستور اولا وآخرا في رسم حدود وتفاصيل العلاقة مع الملك ومع نظام الحكم, والدستور قال قولته ولن نحيد عن الامتثال والاذعان لاحكامه ومواده, فنحن نريد من الملك اولا وآخرا ان تكون بلادنا بخير, وان توفر لنا كل سبل العيش الكريم, وهو يفعل ذلك بكل طاقته, رغم سوار النار المحيط بنا, وقلة الموارد, والاهم قلة الفعل الانساني على الارض لتحقيق قيم الدولة من كافة اطراف المعادلة السياسية.

في ظل هذه الجوائح وما رافقها من علل على جسد الدولة, وجدت الروايات ألسنة تتناقلها وتتقاذفها في المجتمع الاردني والعربي, تارة على شكل مظلومية وتارة على شكل مشاريع ناجزة يمكن ان تنقذ البلاد والعباد, وكلها اوهام مصنوعة ومدعومة من مراكز صنع الاعتقاد او من خائني الاعين والامانة, التي رأت في الجائحتين فرصة لتحقيق الهدف الاسمى بإضعاف المناعة الوطنية, الى ان جاءت الرسالة الملكية والتي احب ان اسميها – القول الفصل – فهي عرضت بصلابة نبيلة كل التفاصيل التي تفيض عن حاجة المجتمع الاردني, الذي يجب ان يُعنى بجوهر ما يقوم ب? الملك في ظل هذه الظروف الصعبة والضاغطة على العصب الاردني وجوديا.

من هذه الزاوية يجب قراءة الرسالة الملكية للشعب الاردني, من زاوية الشراكة الكاملة مع الملك الذي شاركنا وجعه الشخصي والعام, فليس سهلا بوح الملك عن شأن شخصي, وكم هو صعب ان تبوح على الملأ, لكنه النبيل الهاشمي العظيم, والرد بالاستجابة على رسالة الملك يتطلب خطوتين لا ثالث لهما, الاولى رص الصفوف الاردنية بكل تلاوينها السياسية خلف الدولة والملك, ونبذ ودحر كل محاولة لاختراق هذه الصفوف, وثانيتهما الامساك بعناصر قوتنا بالنواجذ وعناصر قوتنا هي الثالوث المقدس, العرش والجيش والوحدة الوطنية الراسخة غير القابلة للقسمة او ?لتقسيم او الانقسام.

صحيح ان العلاقة مع الملك ونظام الحكم رسمها الدستور الذي نذعن لاحكامه, لكن ثمة دستور للقلب والوجدان, يعرف الحقيقة ويقرأ غير المكتوب, والعلاقة مع الهاشميين معرّفة في القلب اكثر من تعريفها الدستوري, فهم الضمانة وهم بسلوكهم الانساني رسموا علاقة لا يعرف شيفرتها الا الاردني, الذي رضي وعتب وغضب ولكنه في كل احواله كان مع الملك, ومع استقرار بلده ونظام حكمه, وستبقى هذه العلاقة هي سحر الاردنيين وسرّهم الذي لا يملك احد في الدنيا ان يعتدي عليه او يحاول كشف شيفرته.

omarkallab@yahoo.com