مرايا – بقلم: عمر كلاب

لا أظن قارئاً عربياً واحداً كان يحتاج إلى تذكير أو رفع حماسة لادانة واستنكار اغتيال الشهيدة شيرين أبو عاقلة, كما لا أظن أن احداً يمتلك حسّاً إنسانياً يحتاج إلى ذلك, ما نحتاجه فعلاً هو ما نهرب منه, كيف يمكن الثأر لهذا الاغتيال؟, ونحن اولياء الدم, وأعني الثأر بمعناه القانوني والإنساني, بالنسبة للدول والكيانات والأفراد خارج فلسطين, أما منطوق النص الديني «فقد جعلنا لوليه سلطانا», فهو في يد اولياء الأمر لشيرين, واولياء الأمر هم أهل فلسطين عموماً وأهل شيرين وقناة الجزيرة خصوصاً, فلهم دورهم وخياراتهم, يناصرهم كل ?ن يملك حسّاً إنسانياً ومنظومة قيمية ترفض الاحتلال بكل بشاعته وتطرفه وتؤيد كل أشكال الثأر.

واضح دون لُبس أن الاحتلال الأسرائيلي موقن بنجاته من أي عقاب, دولي أو داخلي, فـ«الخارجية الأميركية» اكتفت وعلى لسان وزيرها بوصف المشهد بكلمات خانعة قال فيها إن الشرطة الإسرائيلية «تدخلت في موكب الجنازة»، وكأن الشرطة كانت «ضيفاً جاء بلا دعوة», رغم أن الحكومة الإسرائيلية وعدت إدارة جو بايدن بأن الجنازة ستحظى بـ «احترام»، ومع ذلك لم يواجه الاحتلال وقيادته أي تداعيات دولية للأفعال التي ارتكبها ليس في حادثة استشهاد شيرين فقط بل وفي السنوات الأخيرة بالأراضي المحتلة, فقد أعاد الكرة بسرعة في جنازة الشاب وليد الشريف?بعد ساعات من الاعتداء على جثمان شيرين وعلى الهواء مباشرة، وأعاد اقتحام باحات «الأقصى» بقيادة المتطرف غليك.

إسرائيل تعول على التقاعس الدولي, ولا يبدو أنها ستتخذ أية إجراءات لمعاقبة رجال الشرطة أو محاكمة القناص الذي قتل أبو عاقلة، فأي خطوة بهذا الاتجاه ستعرض الحكومة لهجوم من اليمين المتطرف, وعلى مدى عقدين من الزمان الذي شهد فيه اختفاء اليسار الإسرائيلي، أصبحت أية تداعيات لفعل تمارسه إسرائيل تأتي من داخل كتلة اليمين المتطرف, ومع زيادة قوة اليمين المتطرف في إسرائيل، والذي تقوّى أثناء حكم بنيامين نتنياهو، تحول الساسة في التيار الرئيسي نحو اليمين المتطرف أكثر وأكثر خشية خسارتهم قاعدتهم الانتخابية.

وحاول نتنياهو ورئيس الوزراء الحالي نفتالي بينيت عدم الظهور بمظهر المتشدد مع قوات الأمن الإسرائيلية، مهما كانت جرائمها, ففي عام 2016، عندما قتل الجندي إيلور أزاريا فلسطينياً مقعداً في مدينة الخليل، وسجلت جريمته عبر الكاميرا، شجب نتنياهو الفعل بداية لكنه غير موقفه عندما شاهد نتائج الاستطلاعات ودعا للعفو عن أزاريا, ولم يحكم على الأخير سوى 9 أشهر قضاها في سجن عسكري وتحول بعد الإفراج عنه إلى نجم في أوساط اليمين المتطرف.

ولم يعاقب رجال الشرطة وهم يضربون الصحافيين في القدس أو الجنود الذين احتجزوا مسناً فلسطينياً أميركياً والذي قيد وكمم ووضعت العصابة على عينيه ثم مات متأثراً بنوبة قلبية بعد وقت قصير, فالبيانات التي جمعتها المنظمة غير الحكومية الإسرائيلية «يش دين» أظهرت أن نسبة الشكاوى التي قدمها الفلسطينيون ضد الجنود الإسرائيليين وقادت إلى محاكمات لم تتجاوز 0.7% فيما تم إغلاق معظم الحالات، 80% بدون تحقيق, هذا هو الواقع كما تقوله منظمات إسرائيلية, وهذه قصص لإعادة إنعاش الذاكرة فقط, ولحالات أقرب إلى حالة شيرين, فما العمل بعد ا?تهاء مشهد الموت والجنازة والرثاء العظيم؟!! إن استشهاد الصحافية أبو عاقلة ومعاملة المعزين والمشاركين في جنازتها بوحشية أضر بسمعة إسرائيل صحيح، ولكن بدون شجب دولي يؤدي إلى تغيير سياسي ملموس، فلن تجد القيادة الإسرائيلية أي سبب لوقف انتهاكات أخرى في المستقبل, فالقادة الإسرائيليون منشغلون بترضية اليمين المتطرف الذي يطالب بدعم واضح وقوي للقوات الأمنية الإسرائيلية, وطالما ظل حلفاء إسرائيل يتسامحون مع هذه الانتهاكات، فثقافة الإفلات من العقاب ستظل القاعدة وليس استثناء, وأظننا شبعنا مراثي وهجاء, وأن الأوان للدخول في مجابهة واسعة قانونياً وسياسياً خارج إطار ا?محاكم الصهيونية, حتى فعلاً لا يضيع ثمن دماء الشهداء هدراً.

omarkallab@yahoo.com