مرايا – بقلم: عمر كلاب

سنبدأ من التسلسل التاريخي والاسباب الموجبة لاقرار قانون المعاهدة الاردنية الاسرائيلية, لنعلم كم بقي منها وكم انقرض او تلاشى او تم التجاوز عنه والافتئات عليه, فالمعاهدة ليست هدفا بقدر ما كانت وسيلة وصول الى هدفين, اولهما دفن مشروع الوطن البديل الصهيوني وحماية الدولة الاردنية, وثانيها المساهمة في اقامة الدولة الفلسطينية, بوصفها العنوان الوحيد لدفن مشروع الوطن البديل على حساب الاردن, وعلى هذين الاساسين تم اقرار المعاهدة عبر القنوات الدستورية مح الاحتفاظ بالحق الشعبي في ممارسة ردود فعله واظهار مواقفه, ورأينا ك?ف اتشح مبنى مجمع النقابات المهنية بالسواد في ذلك اليوم, وكم الوقفات والبيانات الرافضة للمعاهدة, وسط احترام من الدولة لكل هذه المواقف.

كل الظروف الذاتية والموضوعية التي خلقت او اسهمت في اقرار المعاهدة, تغيرت جذريا, ونبدأ من الظرف الذاتي, فبعد ازمة الخليج الاولى لم يملك الاردن اي خيار سوى الذهاب الى مدريد, بصحبة كل دول الطوق «سورية وفلسطين ولبنان» في مسارين عربي وثنائي, ورأينا كيف تقدم المسار السوري حد التوقيع المنفرد – وديعة رابين – او مسار اوسلو الذي صدم الجميع بمن فيهم الوفد الفلسطيني المشترك, وبرغم كل التخوفات وافق الاردن على مسار اوسلو الذي حدد سنوات خمساً للدخول في مفاوضات الحل النهائي, باعتبار اوسلو خطوة لحفظ الظروف القابلة لانشاء د?لة فلسطينية, كل هذا جرى وكانت القوى الحاكمة في دولة الاحتلال منقسمة بين يسار ووسط ويمين.

اليوم وبعد ثلاثة عقود من المعاهدة دعونا نقرأ الواقع, الظرف الموضوعي على المسار العربي, لم يتغير كثيرا من حيث ان الاقطار العربية ظهير الاردن المفترض, بل ربما ازداد الامر تراجعا وفق ما نراه من اندياح عربي نحو دولة الاحتلال بلا اي ثمن, السلوك الاسرائيلي على الارض, يقول بالفم الملآن ان الخيار الاسرائيلي لاقامة دولة فلسطينية هو خارج الجغرافيا الفلسطينية, فحل الدولتين وهم ساقط ديمغرافيا وعلى الارض, فهناك قرابة الـ 700 الف مستوطن على اراضي الضفة الغربية والقدس, واوصال الدولة الفلسطينية المفترضة ممزقة تماما, ايضا ?ل الدولة الواحدة مستحيل, فهناك 7 ملايين فلسطيني على ارض فلسطين مقابل 6 ملايين يهودي من مختلف المشاتل, اضافة الى 400 الف مهاجر من غير اليهود, اي ان دولة واحدة تعني زوال اسرائيل.

الواقع الموضوعي الفلسطيني, كذلك لم يعد قائما كما بدأنا, فثمة شرخ فلسطيني كامل بين قطاع غزة والضفة الغربية, والسلطة الفلسطينية تواجه حربا مفتوحة على عدة جبهات، اما الواقع العالمي فقد رأيناه ابان ولاية دونالد ترامب, الذي وضع في حضن الادارة الجديدة وقائع على الارض لا تملك كثير وسائل للخروج منها, اما الواقع الاسرائيلي فقد انتهى زمن العمل واليسار مقابل الليكود اليميني ليصبح التنافس بين اليمين المتطرف واليمين الاكثر تطرفا.

كل هذه التغيرات تستوجب العودة من جديد لفتح ملف العلاقات الاردنية الاسرائيلية, التي بدأت تتحول جذريا, فالخطاب الاسرائيلي بات اكثر عداء, فالحديث عن مفهوم او معادلة الامن المشترك بات وهما او اسطورة فليس صحيحا ان امن الاردن من امن اسرائيل, او ان الاردن جزء من حماية امن اسرائيل, والتسويق لأن دولة فلسطين هي خارج حدود سلطة اسرائيل تعني بوضوج انها في الاردن – ليست على حساب مصر او سورية – وجاءت تصريحات نفتالي بينيت الاخيرة لتتعدى على مفهوم احترام الدور الاردني في المقدسات الاسلامية كما نصت المعاهدة الاردنية الاسرائ?لية.

نحن امام خطر حقيقي في الاردن, وفق كل هذه المعطيات, وهذا يستلزم توافقاً وطنياً جديداً, قائم على مرتكزات جديدة, تبدأ من تقوية المناعة الوطنية الداخلية, بالمضي قدما في مسيرة الاصلاح السياسي والعمل فورا على تفعيل الاعتماد على الذات, كذلك ضرورة الانفتاح على الكُل الفلسطيني بلا استثناء في الخط الاخضر والضفة وغزة, اعلاء ثقافة المقاومة السياسية والقانونية, فاسرائيل اليوم دولة فصل عنصري بكل ما تحمله الكلمة من معنى وهذا يتطلب جهدا دبلوماسيا مغايرا لما يجري, والانفتاح على القوى العالمية تحديدا قوى المقاطعة التي كنا ن?حضر لاقامة مؤتمر عالمي لها في 2016 في الاردن, اما الكفاح المسلح فذلك شأن فلسطيني خالص.

ما سبق خلاصة ما جرى في معهد السياسة والمجتمع الذي تصدى مشكورا لجلسة مغلقة تحت نفس عنوان المقال وشارك فيه خبراء وصحفيون وسياسيون, واظنه لامس كل الحقيقة في ما قدمه وناقشه, وعلينا ان تتحرك لنكون الفعل وليس ردة الفعل, رغم اننا متأخرون نسبيا.

omarkallab@yahoo.com