الحكومة قررت تشكيل لجنة لمناقشة ازمة الدواجن وسمعنا آراء متضاربة, ومعظمها من غير المختصين او العارفين, وناقش الملف من يعرف ومن يهرف, وتم اصدار احكام مسبقة منذ بداية الازمة، ولم ينتظر احد ممن كتب او قرأت له على المواقع التواصلية او المواقع التفاعلية او الصحف, مخرجات اللجنة, ولكن حتى نبدأ التفكير السوي, والمنهجية اللازمة لعبور المأزق, اياً كان وصفه وسمته, يجب ان نحتكم الى العلم, العلم يقول إننا نشكل اللجنة ونناقش الموضوع ثم نتخذ القرار, وليس قبل ذلك, اسوق ما سبق كي ادلف الى الازمة الكبرى في مجتمعنا, وهي افتق?دنا الى المنهج العلمي والاكتفاء بالظاهرة.

رغم مرور المئة الاولى من عمر الدولة, ما زلنا نفتقد الى العلم والمنهج في التعامل مع قضايانا الساخنة, مجتمع وسلطة, زكي نجيب محمود -رحمة الله عليه- او الزكيّ النجيب المحمود, وهو اول اطلالة لي شخصيا على المعرفة والقراءة من خلال مجلة العربي, استخدم تشبيهاً جيداً لوصف علاقة المجتمعات المتخلفة بالعلم، «عند هؤلاء يكون العلم مثل نقطة الزيت فى إناء الماء، تستطيع أن تميزها طافية على سطح الإناء؛ لأن الزيت لا يختلط بالماء، أما الملح حين يذوب فى الماء يغير خصائصه، فالعلم يرتقي بالمجتمع والمجتمع يحترم العلم»، وعليه يتعجب?الفيلسوف العظيم من أن بعض المشتغلين بالعلم يرتدون معاطفهم البيضاء وهم فى معاملهم ويتصرفون بأدق تفاصيل المنهج العلمي المنضبط وهم يجرون تجاربهم، ولكن بعد أن تنتهي ساعات العمل يخلعون معاطفهم، ويبدو أنهم يخلعون معها المنهج العلمي الذي كانوا يستخدمونه، وكأن المنهج العلمي من لوازم «الوظيفة ولقمة العيش»، مثل نقطة الزيت المتميزة على صفحة إناء الماء, التي سرعان ما تلتقطها العين, عكس الملح الذي يغير الخصائص ولا نلتقطه الا بعد فوات الاوان.

هل يمكن الزعم بأن بعضاً ممن يناقشون شؤوننا العامة حاملو علم وليسوا بعلماء؟ ولا أتذكر تحديداً من قال هذه العبارة: «محاولة استخدام العلم لعلاج مشكلات مجتمع لا يعترف بالعلم هي محاولة غير علمية في حد ذاتها»، وهذا حق, لكنه يستوجب السؤال التالي: كيف نعرف العالِم من غير العالم؟ فالعلم الحديث لا يصلح فيه من يكتب ويتحدث في كل شيء، وكأنه يعرف كل شيء، ايضا, العالِم يدور فى علمه مع الدليل وليس الأيديولوجيا أو الأفكار المسبقة، العالم كالقاضي وليس كالمحامي الذى يجمع الأدلة التى تحمي موكله ويرفض أو يتجنب الأدلة التي قد ت?ينه, وللاسف معظم من تناول او يتناول الملفات يطلقون الاحكام حتى دون ان يجمعوا الادلة, فالحكم جاهز سلفا, فهم محامون لمواقفهم وليسوا قضاة.

العالِم متفاعل مع بيئته راغب في الحوار والنقاش في المجال العام, وهناك قضايا كثيرة في مجتمعنا، ولا أعرف هل يستشار فيها العلماء أم لا، مثلاً مَن هم القائمون على تحديد مكان وزمان المدينة الادارية الجديدة؟ من هم الخبراء والمهندسون القائمون على الفكرة وما هي ثيمتها الاساس ودورها في التنمية والتشغيل, هل حددتها رؤية شمولية ام تجار عقارات, كما حدث مع مخطط عمان الذي رسمه تجار العقار ومكاتب العقارات اكثر مما رسمته المكاتب الهندسية وخبراء تخطيط المدن.

مثال آخر، ملف السياحة, التي كلما كتب فيها أحد المتخصصين خرج عليه الرافضون مقارنين الاردن بتركيا والعقبة بشرم الشيخ, مع ملاحظة أننا لا نملك ما عندهم من موارد طبيعية، وثقافة مجتمعية حيال السائح ومتطلباته, فنحن نريد سياحة دينية مثلا, ولا نريد مذهبية السياح, علما بأن مواقعنا الدينية في اغلبها مثيرة لاهتمام مذهب ديني محدد, نريد العقبة مثل شرم الشيخ, لكن دون مهرجانات غنائية ودون مايوهات ودون تنازل عن ضوابط المجتمع المرسومة على الخرائط الدماغية لبعض التيارات الاجتماعية والسياسية, وكأنها قوانين عامة للمجتمع كله بك? طبقاته وتلاوينه.

أدعو أن نكوّن آراءنا بعد أن نقرأ للمتخصصين، هذا واجبنا، وليكتب هؤلاء المتخصصون، هذا واجبهم، ولنجعلها ثورة في المئوية الثانية ضد الشطار الذين يفهمون في كل شيء وضد نموذج الفهلوة الطاغي في مجتمعنا.

omarkallab@yahoo.com