مرايا – كتب: عمر كلاب

ستشتد اليوم كالعادة فتاوى متباينة عن جواز تهنئة المسيحيين بأعيادهم, وستتحول مواقع التواصل الاجتماعي إلى ساحات حرب, سترتدي بعض الصفحات لحية وعمامة وراية سوداء, تقول بحرمة التهنئة, وسترتدي صفحات ثوب الوسطية وتؤكد جواز التهنئة من بوابة أن الذميين في عهدتنا كمسلمين, لكن قلة قليلة سترفض الصفحتين, قلة تؤمن بأن المواطنة المتساوية هي التي تفرض على الجميع القيام بتهنئة المسيحيين بأعيادهم, بعد أن نجح الإرهاب في المساواة بين ابناء الوطن الواحد, حين استهدف المسيحي والمسلم, فإذا كان الإرهاب قد قبل المساواة الكاملة فكيف نرفضها نحن؟ أنصار المواطنة الكاملة, وأنصار أن المسيحي مسلم وطنا ومسيحي دينا.

نحن قطعاً مختلفون في العقيدة, لكن مسيحيي الأردن هم أهل وطني وإخواني الذين يختلط دمهم بدمي، وفرحهم بفرحي، وأمنهم هو أمني، ويحل لي شرعاً أن أتزوج منهم وأن آكل من طعامهم, وسيفصل الله بيننا يوم القيامة فيما كنا فيه مختلفين, وكثير من مسيحيي الشام ومصر جنباً إلى جنب مع المسلمين تكاتفوا لتحرير بيت المقدس من الفرنجة, كما قاتل بعضُهم ضد المغول لاحقاً، لكن لم يكن كل غير المسلمين على نفس الدرجة من الولاء للدولة، فخشي ابن تيمية وابن القيم على الدين منهم فتشددا, ومع تغير الأحوال خرج علينا علماء معاصرون يحلون تهنئة غير المسلمين بدينهم من باب «البر» الذي حضنا القرآن الكريم عليه, ومن باب البر اسأل هل في زمن المغول والتتار كان الولاء من المسلمين للدولة صافيا وواحدا وموحدا؟ حتى نمسك بفتوى ذلك الزمن ونفتي بحرمة التهنئة, واسأل من باب المناقشة لا من باب المناكفة.

بكل فحولة يذكر التاريخ أن حجم الخيانة كان كبيرا فضاعت الأوطان بفضل خيانة أصحاب الأمر وأصحاب الحظوة من المسلمين في ذلك الزمان, وكما وهنت نفوس مسلمين, وهنت نفوس مسيحيين ويهود في الدولة, فالمهانة والهوان والخيانة طبائع في بعض النفوس البشرية وليست مختصة باتباع دين محدد, هناك أنفس جبارة وهناك أنفس ضعيفة, هناك حفيد لعيسى العوام يرابط في المسجد الأقصى, وهناك حفيد لصلاح الدين فرّط ونسّق مع المحتل, والعكس موجود أيضا, والحقيقة أن تاريخ المسلمين السياسي يكشف عن أن حقوق غير المسلمين ضاقت واتسعت وفقاً لمتغيرات كثيرة، ولكن الثابت أن العديد من بناة الحضارة الإسلامية كانوا من غير المسلمين, مثلما وصف الشهرستاني (الملقب بالفقيه)، حُنين بن إسحاق المسيحي، فيلسوفاً إسلامياً وحنين هذا كان بمقام وزير الثقافة في عهد الخليفة المأمون (فقد كان على قمة بيت الحكمة وديوان الترجمة)، وكان الطبيب الخاص للخليفة المتوكل وهو ما لم يكن بعيداً عن اعتبار الشيخ مصطفى عبدالرازق أن موسى ابن ميمون من الفلاسفة المسلمين, وابن ميمون كان فيلسوفاً يهودياً فر من دولة الموحدين في الأندلس ثم استقر كطبيب لصلاح الدين الأيوبي في مصر.

النزعة السياسية في الحكم الاسلامي لم تحظ بكثير تركيز, بحكم أن ساسة الفتوى قمعوا أي محاولة لقراءة السياسي في الديني, ونجحوا في تثبيت الفقهي كسياسي, وهذا أول الاختلال في عالمنا العربي والإسلامي, بعد أن أخذ السياسي من الافتاء الفقهي حصانة, لذلك كان الموقف السياسي يلبس لبوس الديني, ومن هنا أصبحت الفتاوى هي التي تقود السياسة, وحان الوقت كي نورث الجيل الجديد جملة معارف اساسية, بأن المواطنة هي الأساس وأن الوطن يُبنى بالوحدة والمحبة والمواطنة الكاملة, ولا يبنى بالتفرقة والفتاوى التي تخدم المشاريع السياسية, فتنزع حينا إلى اللين وتنزع أحايين إلى التشدد والعنف, وأن أصحاب الفتوى في ذلك الوقت كانوا جزءا من حلف سياسي, أي أنهم منظرون سياسيون على شكل مفتين ليس اكثر.

شخصيا أقول لكل اتباع السيد المسيح كل عام وانتم بالف خير وأعيادا سعيدة على الجميع.

omarkallab@yahoo.com