مرايا – كتب: عمر كلاب

عادة ما تنشغل القراءات والتحليلات لارقام استطلاع الرأي الصادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الاردنية, بالارقام المتعلقة بالثقة بالحكومة, وكأن التنافس بين المراقبين على منح العلامات للحكومات المتعاقبة, لنيل ميدالية او ما شابه, وفي غمرة الانشغال بهذه التفصيلة اغفلنا ما يشبه الكارثة الاجتماعية والسياسية, بل لعلها كارثة فعلا, واعني نسبة الثقة داخل المجتمع الاردني ونسبة الاستجابة للعمل الحزبي, واظن ان ثمة رابطاً مهماً بين تدني نسبة الثقة المجتمعية والعمل الحزبي, فكليهما يفترضان عملا جماعيا تشاركيا, في مجتمع ينحو بوضوح نحو الانانية والفردية والسلامة الشخصانية.

الثقة المجتمعية تراجعت خلال عام ونصف العام بمقدار تسع درجات مئوية (80% الان مقابل 71% قبل عام ونصف العام), الامر الذي يعني ان الاردنيين والمقيمين في الاردن لا يثقون بعضهم ببعض, وهذا مؤشر خطير على استقرار المجتمع ونذير خطر لبناء سياسات اندماج اجتماعي ونمو اقتصادي واصلاح سياسي, كما يقول الاستطلاع, وامعانا في مقاربة المجتمع الفردي والاناني, تأتي نسبة السعادة في الاردن لتؤكد ذلك, فالافراد سعيدون والمجتمع غير سعيد في سيناريو يتكرر, (79% يعتقدون ان المجتمع غير سعيد, 64% من الافراد يعتقدون انهم سعداء), الامر الذي يعني ان حكم الاردنيين على سعادة غيرهم او على سعادتهم يحتاج الى مراجعة.

المجتمع الفردي كما تشير ارقام الثقة والسعادة, لا يحمل اي ملمح ايجابي حيال الحياة الحزبية, التي افردنا لها ثلث مساحة الحياة النيابية, بعد ان باعنا تجار الوهم ارقاما مضللة بأن اكثر من 12% من الاردنيين يريدون حياة حزبية – هذا المتحفظ منهم – وانجز تجار الحزبية والتمويل الداخلي والخارجي, بضع ندوات واستعراضات سياسية لاسماء مزمنة في العمل الحزبي ومدمنة عليه بوصفه البضاعة الوحيدة التي يمتلكها, دون اي اضافة او تطوير للمفاهيم الذاتية والحزبية, فما زالت نفس الكلمات تتردد وما زالت نفس البضاعة البائسة على موائد الاحزاب, وما زال نفس الشخوص الذين ادخلوا العمل الحزبي في مأزقه الحالي يتربعون على المقاعد الحزبية الخالية من البرامج والديمقراطية.

88% من الاردنيين يرون ان الاحزاب كانت فاشلة في ممارسة العمل السياسي, والاخطر ان 1% فقط يفكرون بالانضمام الى الاحزاب السياسية القائمة او التي يجري تصنيعها في مراكز الاخصاب الحزبي كأحزاب انابيب, وهنا اعود لتجار الوهم وبائعي الاوهام, الذين قادوا تجارة الترويج الحزبي, وضللوا صنّاع القرار, بل وامعنوا في التضليل وهم يعقدون ورشات عمل بوهيمية يتم تداور نفس الاشخاص ونفس الرموز كدليل على حياة حزبية جديدة او مأمولة, ولكن الواضح اليوم اننا نسير الى جملة تختصر العملية الاصلاحية الحزبية «وجدناك ولم نحضر» التي اشرت اليها في مقال سابق, هاجمه تجار الوهم.

وحتى لا يستمر مسلسل الهاجس الامني والحواجز الامنية العائقة, فإن 5% من العينة قالت انها لن تنضم الى الاحزاب خوفا من الاجهزة الامنية, واود التذكير هنا بان الحياة الحزبية والانتماء الحزبي كان متقدما جدا ايام الاحكام العرفية, اي ان الهاجس الامني ليس سببا مباشرا, بقدر ما كان غياب البرنامج والرؤية الحزبية سببا, فنحن ما زلنا نمارس الحياة الحزبية على مستويين, الاول مستوى التأسيس كشركة ذات مسؤولية خاصة ثم يتحول مجلس الادارة الى جاهة احراج لاستقطاب ابناء العمومة والمنطقة الى الحزب, وفق قواعد خجل وضغط, او ممارسة سلطة الاباء على الابناء والزوجات.

لست قلقا من مستوى الثقة بالحكومة, فهذا شأن عام وبات معروفا, لكن القلق كان على المجتمع الذي يطلب دوما تغيير قواعد اللعبة السياسية وتغيير نهج تشكيل الحكومات, فكيف سيحدث التغيير ونحن نستخدم نفس ادوات التجربة السابقة, أملا في استخراج نتائج مختلفة؟

omarkallab@yahoo.com