يرتدي الكردي لباسه التقليدي الذي نعرفه جميعاً وهو يسير في شوارع العواصم العربية أو في محافظات الأغلبية الكردية، ويسير الخليجي بدشداشته البيضاء في كل العواصم العالمية والعربية ونعرفه من لكنته وغطرته، وما زال اللباس الصعيدي مألوفاً ومحبوباً خاصة اذا ما كان القفطان متبوعاً بالعصا الطويلة «النبوت» والبرنس المغاربي دليل على الهوية المغاربية كما الشماغ الاحمر في هذا الثرى الطهور والحطة السوداء في فلسطين ويبقى القمباز عاملا مشتركا بين ضفتي النهر، فأجسادنا ما زالت مخلصة لتراثها، والسؤال عن مدى اخلاص العقل لهذا الجسد، طبعا دون اغفال لصفات الجين العربي الذي يمنحه امتيازا خاصا تحديدا جين البداوة.

تحت هذه الالبسة ثمة رؤوس تحوي أدمغة تعيش عالماً مغايراً لواقع لباسها وجينها، فتحت العمامة ثمة مخالفات تسلب العقل وعيه، فالكردي يسير نحو التعبير عن هويته بتحالفات تعادي الواقع الذي يعيش فيه، بل ويستثمر في اللحظة القائمة التي تؤكد ان المحيط العربي منفلت ويمكن نهش ما تيسر من اجزائه، بدليل اقامة الدولة على الجزء العراقي من كردستان دون الحديث عن باقي اجزاء الاقليم الواقعة تحت السيادة التركية والايرانية، والاكراد في سوريا سائرون على نفس الدرب الذي سار عليه اخوانهم في العراق بمعنى امكانية ايجاد دولة موازية كردية قائم فعلا، وكأننا امام النموذج الكوري.

في العراق تحت العمامة السوداء والبيضاء فوارق لا يمكن تعدادها، تفيض عن حاجة دولة النخيل والمياه والنفط، وثمة تسابق لارضاء الجوار الايراني والتركي اكثر من ارضاء الاخ في الوطن والتسابق نحو ارضاء الحارس الاميركي والبريطاني يفوق كل ما غيره، ونستطيع ردم حفرة الانهدام ولا نستطيع ردم الفجوة بين مكونات الاقليم المغاربي او المكونات في القطر الفلسطيني او المكونات في القطر العراقي والسوري ومجلس الوحدة الخليجي، وما زالت حرب العمامات تستأثر بكل الاسلحة الممكنة وغير الممكنة، وكأن اللباس على الجسد الواحد تعبير فوضوي او سريالي.

ننتمي جسديا الى واقعنا والى الجغرافيا التي نبتنا فيها، لكن عقولنا تنتمي الى عوالم بعيدة، ونستقوي على انفسنا بالبعيد، وكأننا نعيش عصر دويلات الطوائف او سائرون اليه بمحض ارادتنا، نغفل عن جسدنا الواحد ويعيش كل مكون على انقاض جسده، فالعقل غائب واتجرأ اكثر واقول انه خائن لوعيه ولجسده، مثل سيدة وقورة تعيش محافظة على جسدها من اجل لحظة الزواج الشرعي، لكن خيالها مسكون بالفارس القادم على حصان ابيض ولكنها لم تفرط بجسدها ابدا، وهكذا هو الجسد العربي ممسك بوقار على كل تقاليده العربية وممسك بيقين على البسته التقليدية لكن عقله في مكان آخر.

الجسد العربي بات قابلا للتجزئة وللتقسيم على المكونات رغم الاصرار على اللغة المشتركة والمصير المشترك واللباس المشترك، نمسك على كل اجزاء الوحدة المشروخة من ثياب وعادات لكننا نترك العقل سائرا نحو اهوائه وخيالاته، وكأن الجملة التاريخية التي قالها الروائي الاسكتلندي حاضرة في مجتمعاتنا حيث قال في روايته «ما جدوى اخلاص الجسد ما دام العقل بطبيعته خائنا».

omarkallab@yahoo.com