تفتقر تعليقات بعض السياسيين الى اللياقة واللباقة, طبعا على الجروبات المغلقة والوسائط الذاتية, حيال اي مادة تمتدح او تشيد بخطوة للدولة بشكل كلي او للحكومة بشكل خاص, طبعا الخارج من المنصب حديثا هو الاكثر قسوة, فيما يتراجع منسوب القسوة كلما برد المقعد الذي كان يشغله.

بالامس تعرضت لانتقادات من مسؤولين سابقين, على مقالة الامس التي قدمت فيها تحليلي لاسباب غياب الاردن عن لقاء النقب, وقدمت فيه ما اعتقده, لكن التعليقات كانت بمنتهى السوء حيال الدولة بمجملها, ثمة من روت على لسان اعلام عبري رواية مناقضة, طبعا دون ادنى اشارة لمرجع او رابط سوى انها قرأت وللاسف تحمل تلك السيدة شهادة الدكتوراة, وآخر اتهم الدولة بانها في حضن النقب قبل التكوين, وهو لتوه خارج من موقع مهم لا اظن انه حصل عليه لكفاءته الاستثنائية او النادرة.

غضب الخارجين من المنصب او الموقع ظاهرة تحتاج الى وقفات وليست الى وقفة واحدة, ونحتاج الى استمارة قياس او اختبار قدرات عقلية, قبل المنصب وبعده, لأن الواضح ان الوعي يهبط على المسؤول المحلي بعد خروجه من المنصب وليس قبله, ولا مانع من استشارة خبراء تنجيم او رجال دين عن امكانية هبوط علم لا دنيوي عليهم, فيفتح الله عليهم بالوعي والمعرفة, بعد الخروج من المنصب, ولا مانع من فحص استثنائي لمقاعد الطبقة العليا من الدولة, لمعرفة سبب هذا الانقلاب, فلعله فيروس يمكن ان نعالجه بالتعقيم او ميكروب يستوجب منح المسؤول حال تعيينه مضادا حيويا.

الظاهرة ان محاورة الحجة بالحجة مفقودة, فالنقد بات اتهاما وليس رأيا يمكن مناقشته, والغريب انهم لا يهاجمون الكاتب, بل يهجمون على قرار الدولة او الحكومة, حتى ان احدهم أخذ مواقف معاكسة داخل الحكومة الواحدة, بعد ان اعتدنا سابقا على هجوم السابق على اللاحق, اما الجديد فإن الحالي يهاجم نفسه, وسط غياب مدارس سياسية, اعتاد عليها جيل السبعين والثمانين من القرن الماضي, فحكومة زيد تهاجم حكومة مضر والعكس صحيح, رغم ان الفريقين لا ينتمون الى مدرسة سياسية, فكلاهما كان قريبا من مدرسة البعث العراقي او السوري, اي انهما ليسا متباينين الى حد وصفهما بالمدارس, لكنهما بالقطع يختلفان في فقه الادارة.

تعيش طبقة الكريما الاردنية حالة تناقض اقرب الى ازدواج الشخصية وربما اكثر من ازدواج وهذا افقدها قدرتها على التأثير, وما يحدث من تأييد لاحاديثهم هو استثمار لا اكثر, او تحشييد ضد القرار او التوجه, يتم فيه الاستعانة برأي طبقة الكريما, الذين نموا وترعرعوا في كنف الدولة, فلا احد منهم جاء محمولا على الاكتاف ولا احد منهم – الا من رحم ربي- يملك سيرة سياسية او اجتماعية قبل المنصب.

فكرة ان تبقى هذه الطبقة تعتاش على الخطأ الحكومي او رفض سلوك الدولة, لم تعد كافية او قابلة لاستدامة وجود هذه الطبقة, بعد ان بات المجتمع الاردني يتلمس خطواته القادمة, ولعل الانتخابات الاخيرة كشفت حجم تأثير واثر تلك الطبقة, فجيل الشباب اذا استمر على هذا الحماس من المشاركة فنحن امام طبقة سياسية وخدمية او مشتركة جديدة بالكامل, تحمل سمات المجتمع الجديد, الذي يأنف عن استثمار الاوجاع الحقيقية للناس, بل يسعى الى معالجتها وايجاد المخارج لها, وهذه الطبقة الجديدة هي المطلوبة والمأمولة.

omarkallab@yahoo.com