مرايا :كتب-عمر كلاب

أيام فقط تفصلنا عن انتخابات المجالس المحلية والبلدية وأمانة عمان ستكون حاسمة في شكل الخدمات المقدمة للجمهور, وأيام فقط تفصلنا عن إقرار قانون الانتخاب والأحزاب تمهيداً لمسيرة سياسية مختلفة, وأيام أيضاً تفصلنا عن مخرجات اللجان الاقتصادية الدائرة في الديوان الملكي, وكل هذه الأحداث ما زالت معلقة في الهواء, وتنتظر شكل تنفيذها, وتالياً شكل انعكاساتها على أرض الواقع, وهل سيكون المنفذ مؤمناً بالمخرجات, وهل إيمانه مسنود بخطة تنفيذية مربوطة بجدول زمني؟ هذه أسئلة تدور في عقل المراقب والمواطن على حد سواء, وقبل الإجابة على الأسئلة, يجب الإجابة قبلاً على شكل المنهجية القادمة, التي ما زالت حائرة بين التنفيذي أي البيروقراطي, وبين المنتخب أي الديمقراطي, فهل حسمنا شكل العلاقة والتراتبية في عقل الدولة, بين الفصيلين, أم أننا سنقع مجدداً في صراع محموم بينهما, ينعكس على مجمل العملية التصحيحية التي أعلنت الدولة السير بها على كل المحاور دفعة واحدة؟ وحتى نفهم المعادلة لا بد من قراءة تجارب دول العالم القريبة أو المشابهة لنا, وسمعنا كثيراً من طبقة الحكم أننا نسعى لمقاربة?النموذج السنغافوري, نظراً لأننا لا نمتلك المواد الخام ولا نمتلك الطاقة اللازمة, لذلك ساستعين بما قالوه وفعلوه.

الصراع بين البيروقراطية والديمقراطية، وهو صراع تاريخي ولم يزل مستمراً فى كل دول العالم بين أولئك الذين يمثلون لوائح الدولة وقيودها وثوابتها الراسخة، وبين المنتخبين جماهيرياً والمساءَلين سياسياً أمام الهيئة الناخبة والرأي العام من التنفيذيين ونواب البرلمان, ومن يرجع لأهم ما كَتب «لى كوان يو»، رئيس وزراء سنغافورة، عن هذا الأمر، يكتشف أن سر نجاحه هو أنه أخضع البيروقراطية للسلطة السياسية الديمقراطية، وأخضع السلطة السياسية الديمقراطية لمعايير الكفاءة البيروقراطية، فى تجربة لا تتكرر إلا فى ظل قيادات استثنائية تم?ماً, لأن البيروقراطية ستقتل التنمية كما أن السياسة ستدمر الاقتصاد إن لم تكن لدينا قيادات واعية بهذا الأمر, وهذا يقودنا الى السؤال: كيف نصنع هذه المعادلة الصعبة بين البيروقراطية والديمقراطية؟ اجابة السؤال هي التي ستحدد شكل القادم, وستكشف إن كانت كل هذه الخطوات, نقلة نوعية للتطوير والتحديث, ام انها مجرد ركضات الى الامام لشراء الوقت دون قاعدة تنفيذية مستقرة في عقل الدولة, كما يقول كثير من المشككين في الاصلاح, والذين تسندهم الذاكرة الوطنية في قولهم, فقد اضعنا الكثير من الفرص وارهقنا الحالة الوطنية بكثرة اللجان والمخرجات النائمة في ادراج المسؤولين, فهناك صراع معلن بين البيروقراط في بلادنا – السلطة التنفيذية – وبين المنتخبين, وقد سمعنا جميعاً صراخ الديمقراطيين الدائم من عدم استماع البيروقراطيين لهم,?وسمعنا اكثر شكوى البيروقراطيين من محاولات الديمقراطيين ابتزازهم لصالح منافعهم الشخصية والانتخابية.

حتى اللحظة لم يستقر لدينا توفير مساحة في القرار للمنتخبين, وتحميل الناخب وزر صوته, كما هو معمول به في كل الدول الناجحة, وأيضاً لم تتوافر للمنتخبين فرصة محاسبة البيروقراط بأمانة وعلى أسس برامجية ومنهجية, فالمحاسبة سؤال غائب في بلادنا, سواء للمنتخبين او للبيروقراط, فكل يفعل ما يريد ويذهب قرير العين الى بيته, دون ادنى مساءلة, وتحديداً على القرار الاداري الذي يحملنا كلفة مالية ضخمة, وكذلك محاسبة المهدرين للمال العام باختلاس او رشوة او استثمار للوظيفة.

اذا لم نوفر قاعدة اصيلة تُخضع البيروقراطية للسلطة السياسية الديمقراطية، وقاعدة صلبة لإخضاع السلطة السياسية الديمقراطية لمعايير الكفاءة البيروقراطية، فلن نتقدم ولن نحقق المأمول والمطلوب, وقبل كل ذلك يجب التأني في اختيار الشخصيات التي ستقود هذه المعادلة, فنموذج العلاقات الزبائنية لن يجعلنا نخرج من الأزمة.

omarkallab@yahoo.com