مرايا :كتب-عمر كلاب

ما تشهده الفضائيات العربية المسكونة برائحة الدم, وهندسة إحياء الاموات أو تمويت الاحياء, من تراشق على شكل تحليلات للحرب الروسية – الاوكرانية, والتي هي – أي التحليلات- أقرب إلى ظاهرة الملاسنات والملاخمات في دواوين مخاتير القرية, يبدو اعادة طرح سؤال الكاتب اكرم عطاالله ماذا لو اختفى العرب عن الخارطة الكونية, مشروعا بل ومطلوبا, بعد هذا الكم الهائل من العنصرية والانحياز الغبي والاعمى للاوروبي الابيض والتغاضي حدّ عدم الرؤية للعرب وقضاياهم.

«ماذا لو اختفى العرب جميعاً؟ ماذا لو أفاق العالم فجأة، واكتشف أننا لم نعد موجودين؟ بالتأكيد لن يخشى من خسارة أي شيء، فلن ينقطع الإنترنت ولن تتوقف الأقمار الصناعية ولا مصانع السيارات وقطع غيارها، ولن تتوقف أسواق البورصة، ولن يفتقد أي مواطن فى العالم أي نوع من الدواء ولا المعدات الطبية وأجهزة الأشعة وغرف العمليات، ولا حتى السلاح الذى يقتل به بعضنا بعضاً، فلم نقدم للعالم أي خدمة سوى الكلام، وصورة قتل بعضنا فى الصحف ونشرات الأخبار».

“ستطل سيدة اوروبية من شرفتها، لتقول لسيدة أخرى: لقد اختفى العرب جميعاً، وستسأل الأُخرى الجاهلة: أنت تتحدثين عن هؤلاء الذين يقتلون بعضهم ليل نهار؟ نعم، وإذا كان أحد يعتقد أننى أبالغ فى رسم الصورة فليقف على مسافة فى أية عاصمة خارج الوطن، وليراقب خيط الدم من ليبيا حتى العراق، مروراً بمصر وسوريا واليمن، وما بينها من أمة نصفها يسبح على بطنه من شدة الجوع ونصفها الآخر يسبح على كرشه من شدة الشبع، وكلهم عالة على البشرية».

ربما اختلف قليلا مع السابق, لان اختفاء العرب, سيجعل من صائدي الطرائد البشرية بلا طرائد, وسيفقدون متعة تذوق اللحم الطازج, فماذا سيفعل جندي اوكراني تطوع في الحرب على غزة ان اختفى العرب؟ ومن سيمنحه متعة الحديث عن الدم واصطياد الطرائد في سهرة الاعياد, وماذا سيفعل اشقر اوروبي يهوى جمع الجماجم او اصطياد الطرائد البشرية كما رأينا في اكثر من فيلم هوليودي, فهذه المتع لم تتحقق لولا وجود العرب على نحو خاص, لانهم دون شعوب الارض, يدفعون ثمن الطلقات التي تخترق اجسادهم, ويدفعون ثمن القنابل التي تشوي الاجساد, فتخرج رائحة الشواء لتملأ الفضاء.

رجة الحرب الروسية الاوكرانية, فتحت باب التنظير والتحليل البصري والاعتباطي عن حال العرب ومدى العنصرية البغيضة, بلغة لطمية وبمقاربات ساذجة, بدل ان تفتح باب الاسئلة الواجبة, فهل كنا نحتاج الى هذه الرجة كي نرى عرينا السياسي والأخلاقي والاجتماعي، هل انصدمنا بصدمة اكتشاف واقع الحالة العربية التي حاولنا إخفاءها على امتداد عقود وربما قرون أصابت بعض الحالمين بعدوى الأمل الكبير ليغنوا «الحلم العربي» والوحدة العربية قبل أن نعود لعصر الجاهلية ونتحدث عن وحدة الدولة الواحدة في العراق وسوريا وليبيا واليمن، وكي تنزوي كل أحلام وحدة العرب في دولة.

كثيرون يقارنون بين ما حصل عندنا في اتون الربيع العربي الذي اختلسنا اسمه من ربيع اوروبا, وما حصل في أوروبا عندما خرجت للنور على أمل أن يؤدي هذا النفق المظلم إلى نقطة الضوء.. لكن هناك تمايزاً في التجربتين.. ففي أوروبا صاحب الحروب الأهلية نقاشٌ فكري هائل، بينما يصاحب حروبنا نزعات انتقامية غرائزية لا تبشر، إذا لم نبدأ نقاشنا وقراءة واقعنا على مهل بعيداً عن صخب السلاح ورائحة الدم.. نقاشاً يبدأ بسؤال: ماذا نحن؟ وينتهي بإجابة كيف يجب أن نكون؟ وإلا فإن الرحيل عن الأوطان هو أفضل الخيارات للأجيال المقبلة, وهذا ما نراه للاسف على ابواب السفارات الغربية.

omarkallab@yahoo.com