عمر كلاب

على مدخل مبنى المجلس الاقتصادي الاجتماعي, وبعد الانتهاء من مناقشة ورقة التنمية السياسية, سألت أمين عام حزب جبهة العمل الإسلامي مراد العضايلة الخميس الماضي, قبل يوم من خسارتهم المدوية في نقابة المهندسين التي سيطر الاتجاه الإسلامي عليها قرابة العقود الثلاثة, «ألا تنوون مراجعة مواقفكم الداخلية والخارجية”؟ الداخلية بمعنى داخل جدران الحزب, الذي شهد وما زال تصدعات داخلية وانشقاقات كبرى, والثانية مع الحالة السياسية المجتمعية, بعد أن خسرتم الكثير من الاصدقاء والحلفاء؟..

أجابني الرجل بنفس الإجابات المعلبة, ليس لدينا مشكلة إلا مع الحالة الأمنية والسياسة الرسمية, بمعنى ما أقوله ليس إلا مجرد اضغاث أحلام, أجبته أخشى انكم اصبحتم والمعارض الحليف لكم لا تسمعون الا صوتين, «صوتكم وصدى صوتكم», وغادر الرجل بهدوء معهود عنه للأمانة, تاركاً خلفه نخبة سياسية تناقش اجابته المبهمة, والتي تكشف ان الحزب يعيش حالة نكران لما نراه جميعاً في الفضاء العربي العام والاردني الخاص, وقبلها كنت سألته عن مدلول قرار الحزب بتعليق المشاركة في الانتخابات البلدية والمجالس المحلية وامانة عمان, في ظل وجود مرشح?ن منتمين للحزب: قال انهم منتمون للحزب ولكنهم ترشحوا كافراد بناء على ضغط عشائري وعائلي وليسوا باسم الحزب, علماً بأن المصادر تؤكد أنهم قرابة السبعين مرشحاً.

حالة الارتباك التي يعيشها «الحزب» و”الجماعة» من خلفه, ليست خافية على أحد, بل أن أصدقاء كُثراً من داخل «الجماعة» و«الحزب» يؤكدون لنا أنهم يعيشون اليوم حالة إنكار للأزمة الداخلية والتي انعكست على الحزب شعبياً, فما زالت خطوة الحزب مرتبكة، وما زالت نفس العقلية مسيطرة على القرار, وهي عقلية أوصلت «الحزب» و«الجماعة» إلى المأزق الحالي, والخسارة في «المهندسين» ليست سوى مظهر من مظاهر الأزمة وليست كلها, طالما بقيت تلك العقلية مسكونة بهاجس الإجابة المعلبة التقليدية أن الخسارة ناجمة عن تدخلات.. وليست حاصل استثمار المنا?سين لواقع الحركة وخطاياها واخطائها, منذ «الربيع العربي» تحديداً وما بعده.

كانت مشاركة الاتجاه الإسلامي في لجنة تحديث المنظومة السياسية, فرصة كبرى للاتجاه كي يثبت حرصه على العمل الجمعي واستعداده للتآلف والتشابك مع الحياة المدنية – رغم حجم الدلال الذي منحه رئيس اللجنة لأعضائهم -, في ظل اتهامات كبرى بأنه يملك خطابين أحدهما داخلي والآخر خارجي، وهما متناقضان حسم الاتهامات, لكنه أفسد ذلك بتناقض خطابه داخل اللجنة مع خارجها, فسرعان ما كشف الاتجاه عن يمينية مفرطة حين قال نائب تحت القبة إذا تم تمرير هذا المقترح فإن الشارع هو مكان المواجهة, وهذا دليل واضح على مغالبة لا مشاركة, فقد رفضت كتل? الحزب البرلمانية كل المقترحات بما فيها تلك المقترحات التي تم التوافق عليها داخل اللجنة, مما يعني إما أننا أمام قرار مبهم، أو أمام اختلافات حادة داخل الجسم الحزبي.. فلماذا الإنكار؟

أخشى أن تلك العقلية الحزبية ستواصل الهروب إلى الأمام, كما تشي عقليتهم, وأعني الاستمرار والتوسع في قرار المقاطعات أو تعليق المشاركات, سواء في الانتخابات البلدية أو النقابية, وحينها ستخسر الحالة السياسية لوناً مهماً, لكن الخسارة الأكبر ستكون للتيار الإسلامي, الذي ما زال مسكوناً بالإجابة المعلبة بأن الحالة الأمنية والعقل السياسي يرفضهم!!

يحتاج عقل الإسلام السياسي في بلدنا إلى مراجعة جذرية, وإلى معاودة قراءة تركيبة المجتمع الأردني, التي تجنح نحو المحافظة والراديكالية في بعض جوانبها, لكن التيار الإسلامي لم يعد هو المعبر عنها, فقد ظهرت أشكال جديدة من الحراكات والتجمعات التي تسعى إلى إثبات ذاتها وطبعاً على حساب «الجماعة» و«الحزب», فهل يتعظ «الحزب» وتتعظ «الجماعة» وتقرأ, نسأل الله الهداية للجميع..