مرايا – كتب :عمر كلاب

من وجهة نظر السلطة التي يسيطر عليها اليمين السياسي فإن الاصلاحيين, اعداء للدولة حسب تعريف السلطة للدولة, ومن وجهة نظر المحافظ الاسلاموي والحراكيين «الثوريين» بين قوسين فهم اعداء للثورة, فاليمين يرى فيهم خطرا على مصالحه التي توفرها لهم السلطة, فهم يعيشون على علل الدولة وامراضها, والمحافظ الاسلاموي وجد في احتضانه للحراك الثائر فرصته لاثبات ان الدولة ذاتها هي سبب العلل ويجب تغيير شكلها, فضاع الاصلاحيون بين التيارين وتأرجح اليسار التقليدي والقومي المهزوم بين الفريقين, جزء جلس في حضن السلطة خشية من المحافظ الاسلاموي وجزء بقي على حاله لمكاسب ذاتية بعد هزيمة مشروعه.

ولثقيف الحالة اكثر, فمنذ العام 1990 وحتى العام 1994, لم تستجب الاحزاب القومية واليسارية لحجم التغيرات المصاحبة لاتفاقيتي غزة اريحا ووادي عربة وقبلهما لم تستوعب الاحزاب زلزال حرب الخليج الثانية واحتلال الكويت وانهزام المشروع القومي بصيغته البعثية بعد وقوف دمشق في حفر الباطن, وفتح قناة السويس التي أممها جمال عبد الناصر لحاملات الطائرات الامريكية, اي بإنهزام الظاهرتين القومية الناصرية والقومية البعثية, فكل الاحزاب التي عملت في الاردن كانت اما احزاب عابرة للجغرافيا او احزاب نمت على حواف القضية الفلسطينية, ولم يتشكل حزب اردني برامجي على مدى اخر ستة عقود من عمر الدولة, وحتى محاولات تشكيل احزاب وسطية او محلية الطابع تحت تضليل احزاب وطنية وكأن باقي الاحزاب عكس ذلك, جرى تمييعها بالاكتظاظ المبرمج عددا وبالشخوص التقليدية, مما يؤكد بأن السلطة لا تقبل بالحياة الحزبية والتجربة السياسية الجماعية حتى للخارجين من رحمها, والشواهد كثيرة.

امام هذا العرض الذي احببت ان يكون على شكل صورة اشعة, على أمل ان يتم نقاش كل مفصل بعمق, ياتي السؤال ما الذي تغير وجدّ, حتى ندخل في حوار جديد للاصلاح, او نستحضر مشاريع اصلاحية سابقة ونُعيد لها الحياة, وهل تصلح مخرجات اللجنة الملكية لتكون حاضنة الاصلاح ومبتغاه ونهاياته؟ ام انها ارضية ننطلق منها؟ في ظل رأي سائد يقول إنها هي الحاضنة وهي الاطار المرجعي والتنفيذي, اي حسمنا النهايات والنتائج وسنتحاور على ادوات التنفيذ ووسيلة الوصول فقط.

حجم الازاحة بين الصورة الوطنية واطارها الاردني, واسع, لدرجة انحياز نخبة اكاديمية وسياسية واجتماعية, الى خطاب التأزيم الراديكالي, دون احترام لادنى وابسط قواعد التحليل السياسي, بل كان انحيازا للتعبير عن الغضب, الناتج عن عدم المشاركة في كعكة السلطة وليس من منطلق الحرص الوطني, فهل قرأنا كل ذلك لنعرف الى اي مدى تغير المجتمع الاردني, واي خطاب نحتاج الى تقديمه لجيل جديد ما باتت تغريه كل ادواتنا القديمة وخطاباتنا الوطنية.

صحيح ان الثوابت الاردنية ما زالت صامدة, العرش والجيش والوحدة الوطنية, ولكن بالمقابل رأينا حجم الازاحة في كثير من مواقف الشارع حيال اركان هذا المثلث الذهبي, وهذا يستوجب قراءة عميقة, فهل صمود هذا المثلث الذهبي في اذهان ووجدان الاردنيين, نابع من صمود وطني ام صبر ناجم عن خوف ورهبة من مشاهدات رأيناها بأم العين في الجوار الاقليمي؟

ثمة قراءات واحاديث مسكوت عنها في المجتمع اعلى بكثير مما تطرح على المائدة الوطنية, ودون طرح كل الاسئلة والتساؤلات الحرجة, ووضع المسكوت عنه في الفضاء الحر والهواء النقي, فإن تحوله الى عفن هو الاقرب, وواجب السياسي طرح المسكوت عنه في اللحظات الوطنية الفاصلة واظننا في لحظة حقيقة وطنية نحتاجها وتحتاج منا اعادة ترتيب وتوضيب برامجنا الوطنية للاجابة على كل الاسئلة وليس فتح الباب لاسئلة جديدة او متجددة عن ارادة الاصلاح ومدى توفرها وعن عزمنا عن تغيير نهج السلطة وفقا لمنهج اردني ندخل فيه ومعه المئوية الثانية بنفس العز واليقين.

omarkallab@yahoo.com
الرأي