مرايا – كتب :عمر كلاب – صحيح أن ثمة تشابهاً في النشاط الحزبي, لمرحلة ما بعد الميثاق, من حيث السعي الى تشكيل احزاب حتى لو كان التشكيل على حساب النُضج والبرامج, لكن المفارقة التي لا ينظر اليها كثيرون, ان السيرورة الحزبية اليوم موجودة, فالمقاعد البرلمانية شبه جاهزة وتنتظر الجالسين, بعكس تجربة الميثاق الوطني, التي كان على الاحزاب تجهيز مقاعدها مع وفرة في القادرين والراغبين بالجلوس, لكن الصوت الواحد, أجهض الطموح, وأظن ان ثمة خللاً في اسباب تشخيص ذهاب الدولة الى الصوت الواحد, بأنه تحوط لمرحلة التفاوض مع الكيان الصهيوني, في حين ان ثمة ق?اءة تقول انه كان استجابة لهواجس تشكلت في حقبة الخمسينات الى السبعينات في عقل صنّاع القرار, تغذت بعد مخرجات برلمان العام 1989.

مرحلة الميثاق طويت, رغم ما فيها من ايجابيات, حيث ابدت التيارات اليسارية والقومية اقبالا على الدولة, مسقطة ثقافة الانقلاب والعداء للانظمة الرجعية حسب الوصف القومي واليساري, لكن الهواجس انقلبت, فالخوف السابق من اليسار والقوميين, تحول الى خوف من التيارات الاسلامية بعد انتهاء مرحلة «الكومنترن», وتحديدا جماعة الاخوان المسلمين وتفريعاتهم الاكثر تطرفا, والذين اشتموا رائحة شواء السلطة في اقطار متعددة, وما زال سلوكهم السياسي خليطاً بين الغموض والشكوك, فالثنائية في الخطاب موجودة, فحديثهم الخارجي للاحزاب والشركاء الس?اسيين, غير مطابق لادبياتهم الحزبية الداخلية, وعلاقاتهم مع التنظيم الدولي واستجابتهم لتعليماته وبرنامجه العام غير معرّفة بعد, وهذا يضيف مزيدا من الارباك.

الاطار العام والجاهزية في عقل الدولة لولوج الحياة الحزبية باتت اكثر حضورا, عن اي وقت مضى, لكن العقل الفردي الاردني, لم يقطع نفس المسافة التي قطعها عقل الدولة, فما زالت الأنا هي السائدة, وما زالت ثقافة الشيخ هي الاقرب الى مفهوم الزعامة وثقافتها في الاردن, فما زلنا شبابا وشيبا, عندما نريد مدح المقابل ذكرا كان او انثى نصفه بالشيخ او الشيخة, وتلك اول معضلة امام ثقافة العمل الحزبي, القائم على الانتخاب والنشاط والابتكار, فما زال كثيرون من سدنة المعبد الرسمي, يسعون الى الدخول في العمل الحزبي على ارضية الشيخة, دون?تحقيق موجباتها الاجتماعية, علما وحتى ننصف التجربة الاجتماعية, انحازت الغالبية العظمى من شيوخ الاردن الى فقه الدولة وثقافة الحس القومي, في كل مفاصل الامة, من الموقف من مقاومة الاحتلال الصهيوني لفلسطين الى مجابهة ورفض اي عدوان على اي عاصمة من عواصم الامة.

وحتى لا نظلم المجتمع, او ينشط ذهن محترفي الكلمات المتقاطعة, فإن السلطة, لم تسمح للبناءات الاجتماعية والسياسية بالنماء طوال عقود سابقة, فقدمت التسهيلات لديمومة العشائرية كنهج, على حساب التنمية المستدامة في المحافظات والاطراف, ذات البناء العشائري دون مكاسب للمجتمع العشائري, واستبدلت التنمية بمكاسب فردية على شكل هبات ورشا لاسترضاء واحتواء المؤثرين والمخالفين, فلا طورنا المجتمعات على قاعدة تنموية بشرية واقتصادية، ولا سمحنا للمجتمعات بتطوير ذاتها سياسيا, فكانت النتيجة هذا الكم الهائل من الغضب في الاطراف, وهو غض? مبرر ومشروع, ونما التشظي في المجتمعات ذات البنية العشائرية, فالصوت الواحد والشخصنة في اختيار ممثلي المحافظات في المجتمعات الطرفية, خضعت لامزجة شخصانية وليس لحسابات الكفاءة والتمثيل الا في اضيق الحدود.

اليوم تبدو الفرصة مواتية, لاعادة تصويب المنظومة العامة, على قاعدة التمثيل والكفاءة, فالشخص المثابر والممتلك للمعرفة والفهم, يستطيع من خلال الحزب ان يصل الى المواقع المتقدمة التي تفيد البلاد والعباد, وعكس ذلك سينجح من اختطف المنصب والمقعد في تكريس وتأصيل حضوره, وحينها سنكتب على باب المرحلة الجديدة, وجدناكِ ولم نحضر.

omarkallab@yahoo.com