مرايا – كتب : عمر كلاب

أشرت كما غيري إلى ضرورة التقاط مرحلة الانفتاح السياسي الناجمة عن مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية, واستثمارها حزبيا ووطنيا, حتى لا نخسر هذه اللحظة كما خسرنا مرحلة الميثاق الوطني, رغم ان الاستجابة لمرحلة ما بعد اللجنة اقرب الى الاستجابة لمرحلة ما بعد الميثاق الوطني, تحديدا في شكل استجابة ناشطين لحياة حزبية, فهناك سعي مقدر لتشكيل احزاب, وهناك سعي لاعادة تجميع وتوحيد احزاب قائمة, وكلها جهود ايجابية لا تخلو من جرأة سياسية يجب دعم القائمين عليها بدل تكسير مجاديفهم, حتى لا نستبق النتائج.

الحياة الحزبية في الاردن تحتاج الى قراءة, فمن جهة جُلّ الاردنيين مهووسون بالسياسة, ومن جهة اخرى اكثرهم لا يميلون الى المشاركة في الاحزاب, لاسباب متعددة, اختزلناها في المرحلة العرفية والثمن الأمني الذي يدفعه الحزبي, رغم أن النشاط الحزبي والسياسي والجماهيري كان اكثر فاعلية في تلك المرحلة, عن مثيله في مرحلة الانفراج السياسي التي عاشها المجتمع بعد العام 1989, مما يعني اننا قبلنا بالتفسير الاول للعزوف الجماهيري عن الاحزاب والمشاركة فيها, وهذا ما تنفيه الوقائع التاريخية الاردنية.

صحيح ان مرحلة الاحكام العرفية وقانون الطوارئ لعبا دورا في رفع كلفة العمل الحزبي, لكنهما ليسا السبب الوحيد او الرئيس في العزوف الشعبي, فهناك اسباب موضوعية وذاتية كانتا اكثر تأثيرا, اولها ان الحياة الحزبية الاردنية نمت على حافتين, الاولى القضية الفلسطينية, والثانية الشمولية الفكرية, فكل فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وضعت لها منظمات اردنية تحمل شعارا مزدوجا, اردن وطني ديمقراطي وتحرير فلسطين, وكانت كل الغلبة للشعار الفلسطيني, وكذلك كل الاحزاب الشمولية كانت لها منظمات وفروع في الاردن, من الحزب الشيوعي الى جماعة الاخوان المسلمين, حتى التيارات القومية نشطت بافرعها القُطرية في الاردن

لم يعش الاردن حالة حزبية محلية, الا بعد الميثاق الوطني, بمعنى ان الحياة الحزبية المحلية طازجة ولا تملك خبرة كافية, ونذكر وقتها كيف نشطت الشخصيات الرسمية في التقاط اللحظة والدخول في تأسيس احزاب محلية, مثل العهد واليقظة والاستقلال, وغيرها من الاحزاب التي كان عمرها بعمر مؤسسها الرسمي, فقد التصق اسم الحزب باسم المرضع السياسي, فعُرفت الاحزاب باسم شخوصها ولم تعرف ببرامجها, وهذا اول اختلال اما الثاني فكان منهجيا بالكامل, حيث استشعر العقل الشعبي ان اسباب الازمة, يطرحون انفسهم كوسائل للحل وهذا ما رفضه الشارع الشعبي والسياسي على حد سواء ففشلت التجربة برمتها.

انتهت العشرية الاولى من الانفراج السياسي, بدون ولادة احزاب محلية, وتأثرت الحالة السياسية بعوامل خارجية اجهضت البناء القديم ايضا, فحرب الخليج الثانية كسرت الفهم القومي كسرا يصعب جبره, ونشوء السلطة الفلسطينية اجهض نسخ منظمة التحرير ومنظماتها الاردنية وانهيار الاتحاد السوفييتي اطاح بالمنظومة الشيوعية كلها, بل القى بظلاله على باقي التكوينات السياسية القائمة في الاردن, فصار العمل الحزبي في الاردن بلا ظهير قومي او كوني, ولم تنجح الاحزاب المحلية الوليدة في التقاط الفرصة لاختلال منهجي في بنائها, فدخلنا الالفية الثالثة بلا احزاب