مرايا – يمكن لرئيس الوزراء اجتراح حلول سريعة لمعضلة الترهل الاداري، ونحن على ابواب عمل لجنة وزارية لتطوير القطاع العام، فالشارع الشعبي يشتكي من تداور وتداول نفس الاسماء للمواقع والمناصب وبات السير بالاتجاهين سمة رسمية، فالخارج من الحكومة داخل الى الاعيان او الى مجلس ادارة شركة كبرى والعكس صحيح، حتى فقدت النخبة الاردنية عنصر الدهشة اللازم لاحداث التغيير من خلال الاندهاش لقدرة الدولة على تحقيق اماني الطامحين الجديرين بالمنصب، فثمة طموح مقرون بالجدارة وثمة طموح مرهون بالحظ والنسب والعلاقات الاجتماعية على اختلاف تراكيبها وتلاوينها والاخيرة هي السائدة في العملية السياسية، والدهشة الوحيدة كيف تم استذكار هذه الشخصية والنبش عنها بعد كل هذا الغياب.

تم تداول عشرات الاسباب لتدوير النخبة والتنقل في المواقع واللجان لنفس الاشخاص، وتعددت الاسباب من المحسوبية الى تحسين الراتب التقاعدي مرورا بكل موجبات النقد اللازمة لادوات الاختيار للمناصب من تجويد الخيارات الجغرافية الى اقصاء الجغرافيا، لكن احداً لم يلتفت الى ان الصف الثاني في الدولة قد تلاشى تماما، ولم يعد له وجود مما يستدعي تكريس الموجود، كنتيجة حتمية لسياسات التدوير والتبادل، فالصف الثاني الطامح للمنصب، واكرر بجدارة، فقد شهية الانتظار بعد انعدام الفرص، فقرر اما الهجرة نحو القطاع الخاص او الاندياح في بلدان تقدر الكفاءة وتدفع ثمنها على حساب الموقع السياسي، فكل العاملين في الخارج لا يطمحون بمنصب سياسي في بلد العمل او اللجوء المناصبي، قانعين بالراتب الممتاز، ولدينا الآن هجرة عكسية او نموذج لجوء جديد عنوانه انعدام الفرصة.

اللاجئون أو المهاجرون خارج الجغرافيا او خارج وظيفة الدولة لانعدام الفرصة، طبقة ليست سهلة لا من حيث العدد ولا من حيث الكفاءة، فغالبيتهم من الكفاءات التي دفعت الدولة من اجل تدريبهم وإعدادهم المال الكثير والجهد الاكثر، ولحسابات غير مفهومة جرى التخلص منهم واستبعادهم، دون دراية ومعرفة بأن تأهيلهم وخبرتهم تؤهلهم للعمل في كبريات المؤسسات وبرواتب فلكية، وتكفي مراجعة اسماء الخارجين من رصيد الدولة البشري لمعرفة صحة ذلك، بعد ان نفد صبرهم ولا اقول نفذ صبرهم لان النفاد هو الاكثر دقة في هذا المقام، ولا تكاد تزور عاصمة ناجحة او مدينة موجودة على خارطة النجاح الا وتصطدم بهم في مواقع مرموقة، وحتى يتم تثقيف التحليل اكثر، فإن السبب بالهجرة او اللجوء ليس العائد المالي الكبير او انخفاض الرواتب والحوافز في الاردن، فثمة رواتب وحوافز في وظائف الدولة تغري بالبقاء لكنها لمحاسيب وليست لكفاءات.

هذه الهجرات افرغت الدولة من القيادات البديلة ومن اعضاء الصف الثاني الفاعلين والمؤثرين في التطور والحداثة والمهننة، وتُرك المجال لتسلق المواقع لمعدومي الكفاءة او للكفاءات المحبطة التي ادارت ظهرها للتطوير، فتراكم الترهل وتراكم التردد، وانشغل المهني بالسياسة لتعويض واقعه او لتفريغ غضبه، ودون مواربة فإن داخل الموظفين منسوب غضب لاينبغي ان يستهان به.

وزاد الترهل وانخفض منسوب الاداء العام شأن الواسطة والفساد نسبياً داخل بعض قطاعات الدولة في المستوى المتوسط والثاني، سبق ان اشار لها رأس الدولة بألم في لقاءات متعددة، واشتكى منها قطاع واسع من المراجعين والمستثمرين والزائرين، بشكل بات يصعب تداركه او معالجة تداعياته الا بثورة بيضاء حقيقية، تقوم على اسس العدالة اولا ومنح الفرصة للطامح المجتهد وبعدها رفع وتيرة المحاسبة ودون ذلك فإننا نفقد عنصر قوتنا ومواجهتنا لقادم الايام، فهل يفعلها الرئيس الذي لا تعوزه الجرأة في القرار على فتح باب العودة للطيور المهاجرة؟

omarkallab@yahoo.com